يقبل الناخب الوطني الزاكي بادو على وديتي إفريقيا الوسطى وكينيا وأكبر همه أن يضع للفريق الوطني الملمح التكتيكي لطبيعة الأسلوب الذي سيعتمده عندما يحين موعد الإمتحان القاري، هو من أمضى شهورا في وضع النواة الصلبة للفريق بفعل ما كان من إكراهات بعضها يتصل بحالة التنافر التي كان عليها الفريق الوطني، وبعضها الآخر له علاقة بالإصابات الإضطرارية التي كانت تعيق تجميع الثوابت.
وقد كان من المجازفة الأقرب منها إلى المخاطرة أن يمضي الناخب الوطني كل هذا الوقت في إبادة الغموض وفي مطابقة ما كان يتصوره مع ما هو واقع، أي أن ينصرم من بين يديه زمن طويل قياسا بما حصل عليه من مدة زمنية لتجهيز الكومندو البشري، وهو يبحث عن النواة الصلبة ويغالب كل الإكراهات التي تحدثت عنها ليجد ولو لمرة واحدة التشكيل المثالي الذي طالما حلم به على أرضية الملعب وهو يجري إحدى الوديات بهدف المرور إلى العمل الأعمق والشاق، بداية تشكيل أسلوب اللعب وطريقة الأداء.
ويكون الزاكي محقا للغاية عندما يصرح بأن وديتي إفريقيا الوسطى وكينيا هي بداية لتنزيل أسلوب اللعب، وأن الزمن المتوقع والمعطى للوصول إلى النواة البشرية الصلبة قد إنتهى، فما كنا نشاهده في الوديات السابقة وبخاصة تلك التي وضعت الفريق الوطني في مواجهة منتخبي قطر وليبيا شهر أكتوبر الماضي، من تقلب في الأداء ومن ضبابية تكتيكية ومن دوائر شك تكبر مع القلق مما هو كائن والخوف مما هم آت، لم يكن مصدره إلا هذه الإكراهات التي تتحالف الظروف في رميها في طريق الزاكي، فما حدث في أي مرة أن كان الفريق الوطني مكتمل الصفوف طبقا لما يراه الناخب الوطني، وبرغم أن وديتي إفريقيا الوسطى وكينيا لا تعطيان بأي حال من الأحوال الفرصة ليحصل الزاكي على التركيبة النموذجية مع الغياب الإضطراري لكل من يوسف العرابي ومروان الشماخ ومنير عوبادي، إلا أن الفريق الوطني مطالب بتقديم النواة الأولى لشكل الأسلوب الذي سيتم إعتماده بشكل يتطابق تطابقا كاملا مع خصوصيات اللاعبين والمنظور التكتيكي للزاكي بادو وطبيعة المهمة التي يتقلدها الفريق الوطني في صورة أمانة ثقيلة، تحقيق حلم شعب بأكمله بإنجاز كأس أممية إفريقية تاريخية تماثل أو تتفوق على تلك التي أنجزها الفريق الوطني سنة 2004 بتونس مع ذات الناخب الوطني.
وعندما يلح الزاكي على وجود معطى تكتيكي إستراتيجي متمثل في أن الفريق الوطني بحكم وجوده على أرضه مستضيفا للمونديال الإفريقي ومدعوما من جماهيره، سيكون في مباريات الدور الأول الثلاث مواجها بمنتخبات ستتعمد ترك الفريق الوطني يصنع اللعب ويحدد طبيعة الإيقاع، فإن ذلك يفرض فرض عين أن يكون الأسود مالكين لكل الأسلحة التكتيكية التي تحتاجها مباريات من هذه الطينة، فالإستحواذ على الكرة وقيادة اللعب ومواجهة خصم منظم دفاعيا يفضل عدم المجازفة بالهجوم المطلق وأحيانا الدفاع بخطين متراصين، خصائص تكتيكية تدفع إلى التمرس جيدا على نهج يقوم على الإستحواذ الذكي والإيجابي للكرة وعلى اعتماد هرمونية في بناء الخطوط لا تترك مساحات فارغة ولا تعطي للمنافس فرصا للإغارة من مرتدات خاطفة وينجح في رفع معدل إستثمار الفرص السانحة للتسجيل.
بالقطع هذه الأشياء لا يمكن أن نراها كاملة في مباراة اليوم أمام إفريقيا الوسطى ولا أمام منتخب كينيا يوم الإثنين القادم، فهي تحتاج في تنزيلها التنزيل الصحيح إلى أكثر من محكين وديين، ولكن نطمع في أن يقدم الأسود أمام إفريقيا الوسطى وأمام كينيا مشروع أسلوب لعب بالمواصفات التكتيكية التي تحدثنا عنها، تماما كما نطمع في أن تكون الجماهير سخية في حضورها ومساندتها لأسود الأطلس، فلست بحاجة لأن أعيد بأن النجاح الذي نتطلع إليه جميعا خلال نهائيات كأس إفريقيا للأمم، لا يصنعه اللاعبون لوحدهم، فهم لا يساوون شيئا، ولن يقدروا على شيء من دون مساندة قوية وغير مشروطة من جماهيرهم وإعلامهم.
......................................................................................................................
ما كانت فرحة العيد لتكتمل والزميل العزيز عبد الحق جدعي يرقد على فراش المرض وقد باغتته ليلة العيد وعكة صحية إستلزمت نقله فورا إلى إحدى مصحات الدار البيضاء وإخضاعه لعملية جراحية عاجلة، لقد إستنفر فينا هذا الذي حدث قدرا مقدرا في أيام غر ميامين، كل الحواس لطبيعة مكانة الرجل، لوداعته وسماحته ونبل أخلاقه، فمنذ أن عرفنا الرجل عرفنا فيه كيف يكون الوفاء وكيف يجسد الخالق في مخلوقه طبع التواضع والنبل وحب الناس.
والزميل عبد الحق جدعي الذي لطالما نجح في أن يجمع ما تفرق في غيره من الزملاء الإعلاميين، أن ينال رضى مسؤولي ولاعبي وجماهير الغريمين الوداد والرجاء من خلال عموده الثابت بالأحمر والأخضر، يرقد اليوم على فراش الإستشفاء تلف به أرواحنا ومهجنا لتسأل له الشفاء العاجل من كل سقم ولتدعو الله سبحانه وتعالى أن يعافيه ويمد في عمره ويخفف عنه هذا الذي نزل به ولا يبدي لإيمانه العميق تبرما منه.