«يجي..ما يجيش»..
من الحدادي لبلعربي ومر بينهما خفيفا بنعطية، كان ذلك هو لغز لشهر الذي حير عشاق المنتخب المغربي وأدخلتهم تقارير التهكم من ألمانيا أو المصبوغة بسخرية الإسبان مدن الأحزان، لا لشيء سوى لأننا  نفتش دائما على «المزوجة» والوجه المشروك.
تبنيت موقفا وأصر على قول «ما زالت تدور»، على كون لاعبي البطولة لن يضمنوا لنا شربة ماء إن نحن غامرنا بهم في (الكان) القريب منا قرب الوريد، وبالمقابل لن يقنعني متنطع و لا راكب موج المحترفين على أنهم أفضل حالا، لأن تاريخ الخراب والكدمات التي تلقاها وجه المنتخب المغربي على عهد زبدهم يلخص حجم إفلاسهم.
لكن أهون الضررين وأقل الأشرار كان يقودنا كل مرة لأن نمنح ميزة للاعب محترف عاطل على ولد البلاد الممارس والتنافسي، لكوننا أدرى بشعاب البطولة أكثر من غيرنا وعلى ما تحبل به من مدلهمات ومصائب وعلى أنها طوال عقد من الزمن لم تستطع أن تنجب لنا لاعبين في نفس المركز وبالإقتدار الذي يعفينا سوء الظن.
في حكاية الحدادي وبلعربي صورة خطيرة ورسالة أخطر على الزاكي ولقجع الحذر منها، وكاد يكررها بنعطية بتسويفه لولا مكالمة الزاكي وتدخل ذوي النوايا الحسنة الذين أقنعوه بالحضور و«لعن الشيطان».
خطورة الوضع هو أننا بخلاف ما يعتقده البعض لا نخسر لاعبا اسمه الحدادي ولا مهاجما اسمه بلعربي، ومن يخسر في هذه المعارك المجانية التي دخلناها دون تقدير للعواقب هي الجامعة والمدرب الزاكي والأكثر من ذلك قميص المنتخب الوطني بكل حمولاته ورمزيته ودلالاته وأبعاده التسويقية.
بإسبانيا ركبوا على موجة الحدادي وحوروا الصراع بعيدا عن الشق الرياضي وأعلنت حتى صحف مدريد التي لا تهلل في الغالب للاعب برشلوني عن إنتصار إسبانيا وليس منتخب الـماتادور في معركة خطب ود لاعب.
سخروا لأجل ضم الحدادي كل وسائل الضغط داخل قلعة الفريق الكاطالوني وتقمص العجوز ديلبوسكي دور «بابا نويل»، فوزع هدايا عيد الميلاد على اللاعب أسبوع قبل حلول الموعد، وكل ذلك ليذغذغ مشاعر اللاعب ويعلن له أنه ابن إسبانيا حتى وإن لم ينجبه رحمها وعلى أن إسبانيا تعرف كيف تذلل أبناءها أكثر من المغرب.
عندنا هنا رئيس الجامعة ورؤساء باقي الفريق لا يتذكرون أعياد ميلاد لاعبيهم، والموعد الوحيد الذي يحتفظون به بالأجندات التي يتأبطونها هو عيد ميلاد الجمع العام الذي يزكيهم بالتصفيق.
هكذا فكرت إسبانيا فاستدعى ديل بوسكي الحدادي لمباراة مقدونيا كي يردع لقجع والزاكي، وبعدها أدار ظهره له وقال أنه لم يكن يوما ضمن خططه، وتلك صنيعة تبرز كيف تفكر هذه البلدان بخبث، ذلك الخبث الذي ينتصر لقناعة «أن تكون معي أفضل أن تكون ضدي»، وفعلوها سابقا مع الصربي بويان كيكريش وبعدها رموه لأقرب سلة مهملات فأصبح مجرد ذكرى.
بمنطقهم هذا يرفضون أن يشرفوا على تكوين لاعب وتطببيه وبعدها يأتي السي لقجع ليربحه جاهزا خاليا من الأعراض وصالحا للتعبئة.
ما فعله الإسبان كرره الألمان الذين كنا نعتقد ذات فترة أنهم جديون ولا يدخلون كثيرا متاهات «التبرهيش»، فإذا بالسيد يواكيم لوف يؤكد العكس وهو يستدعي بلعربي لا لشيء سوى لأن الزاكي وضع يده على كتفيه، فيما يشبه الوضع  السائد في أسواق  الأكباش، حيث يتريص  الشناقة» بالبضاعة موضوع الطلب.
تربى بلعربي في ألمانيا وعاش مراهقته أمام لوف ورودي فولر، وكبر أمامهم ولا أحد فكر فيه، إلا في اللحظة التي زاره الزاكي وليته فعل ذلك سرا وتعاون على عمله بالكتمان، لأنه لم نستوعب للآن  كيف أنه توجد طرق كثيرة بإمكانها أن تفي بالغرض بدل التقاط الصور على طاولات «البيتزا» والتغني بنصر لم يكتب بعد.
ونحن نقترب من (الكان) ونتذكر عدد الكؤوس الإفريقية التي شهدت بصمتنا من إثيوبيا للاغوس النيجيرية فدورة مصر ومعها دورة تونس، علينا أن نتذكر أنه يومها لم نكن نلهث خلف لا الحداد ولا بلعربي ولا حتى هاد «بنعطية» الذي يدين للمنتخب المغربي بشهرته، لأن الـمنتخب الوطني هو من رفع قيمته وأسهمه بعد أن انتشله من كليرمون فوت وضمه لحضنه وعبد أمامه طريق الإحتراف على أصوله.
بعد اليوم لن نسمح بأن نطارد الحدادي فيجيبنا واحد من أفراد أسرته أنه حر في اختياره وولائه، ولا أن يستعير بلعربي وكيله اليوناني ليفرض على الزاكي شروطه للعب ومتى يلعب وأين ينام.
المنتخب الوطني له حرماته وهو من المقدسات كما قال لقجع يوم التعيين، وحين يتعلق الأمر بمقدس من المقدسات فإن خسارة لاعب يطالها التأويل فتصبح خسارة من نوع آخر وذلك ما لا نرضاه إطلاقا.
في (الكان) القادم لن ينفعنا لا الحدادي ولا بلعربي.. نريد كل لاعب يحس أنه مغربي منبت الأحرار ومغربي مشرق الأنوار، وأن يتذكر كل واحد من هؤلاء أنه «بلمغربي» الذي سيقف خلفه 40 مليونا يلهجون له بالدعاء  يرفعونه عنان السماء  دون أن يرضخونه للأرض كما رضخ الحدادي والدور على بلعربي بلا شك..