لو أقدم العامري على خطوة غير التي اختارها انتصارا للكرامة والكبرياء، لفقد اليوم احترام عدد كبير من المعجبين وتقدير عدد أكبر من رفاق درب المهنة.
ولو كان العامري قد استسلم لإغراء التكريم المصطنع الموجه إليه من طرف أبرون، بعدما «كرم» الأخير جلده بسياط السخرية والتحقير، لكان اليوم إبن سيدي قاسم في خانة المدربين المنتهية صلاحيتهم، ولما حافظ على التعاطف الذي ناله اليوم كما ناله بالأمس القريب جدا محمد فاخر وهو يلقى جزاء سنمار بالرجاء.
تابع الجميع فصول «الشو» الذي مارسه مؤخرا أبرون بحق العامري والذي تحول في فترات لـ «شوهة»، بعدما سلخ جلده وكاله انتقادات عجنت تناقضات كثيرة في قالب واحد، وكشفت الطريقة التي تورد بها الإبل داخل الفرق الوطنية المغلوب على أمر رقبتها.
ولأن ثقافة التقدير والإعتراف لا تجد اليوم صدا لها في قاموس بعض المسيرين الذين ينسبون الإنجازات لمعجزاتهم، ويمسحون الإخفاق بتلابيب المدرب المسكين، فقد كان مثيرا أن ينال العامري على امتداد أسبوعين بالتمام والكمال جزاءه الأوفى، واقترب عبد المالك أبرون من أن يجرده من قيم المواطنة حين قال أن العامري خذل المغاربة وتعمد أن يسقط سقوطا شنيعا ومريعا في مونديال الأندية.
المتتبع لشأن المغرب التطواني على امتداد عقد من حضوره بين الكبار، وبجرد لقيمة الذين مروا أو تعاقبوا على تدريبه، سيرعبه مشهد الخروج غير المشرف لعينة تمثل صفو وزبد الأطر الأجانب منهم والمغاربة.
ما عاشه العامري من رعب وتمويه، أسقط للأسف رئيس المغرب التطواني في تناقضات بالجملة، تارة يبدي ندمه وأسفه على الإحتفاظ به مدربا، وفي الثانية يقسم أنه لو كان بيده لصنع له تمثالا، وهو ما عاشه قبله مدربون آخرون.
فقد شرب من نفس كأس العلقم المر محمد فاخر الذي كان أول من أوصل المغرب التطواني لنصف نهاية كأس العرش، وفي طريق عودته من مراكش أعلن طلاقه حتى دون أن ينال نفقة المتعة، التي إضطر لاستردادها من الجامعة.
مشهد قبول العامري بالتخلي عن مستحقاته ليطلب «السلة بلا عنب»، ويترك الحمامة جربها قبله فاخر، وقبلهما جميعا عبد الغني الناصيري وبينهما السكتيوي وطاليب وحتى جودار الفرنسي خرج من مولد الفريق بلا حمص، وباسم الوطنية التي يتحلى بها أبرون ترك ذات يوم الفرنسي الآخر باتريس نوفو يرحل لفرنسا، ليرسل له ورقة طلاقه رافضا أداء 100 مليون التي طالب بها المدرب، بعد أن قدم أبرون دفوعات أكدت إساءة المدرب للمغرب بتصريح رسمي إستند فيه لشهادة عزيز الميلاني وعبد الإله المنجرة.
وحده الزاكي فطن ذات يوم بحاسة الخبير وحدس المؤمن لما سيكون بانتظاره ففسخ عقدا لم يجف بعد مداده وبقي بداره.
وبين حفاوة الترحيب الذي يحظى بها الداخلون لرحاب المغرب التطواني، والخارجون بـ «التجرجير» والتسويف، لاعبون ومدربون يبرز القياس الذي يرسم أكثر من فارق، كما عاشه قبل 4 سنوات «14 لاعبا» تحولوا في رمشة من عين من أصحاب حق لمتآمرين ومدانين، وكل واحد طالب بمستحقاته إضطر لاحقا للتخلي عنها مقابل التوقيع ودائما على نفس ورقة الطلاق، لذلك يصر لاعب الحسيمة لمباركي كلما واجه المغرب التطواني وسجل بمرماه، على التوجه صوب منصة حضور الرئيس وليمسح عرق جبينه ويشير به لمن يهمهم الأمر.
من حق أبرون الذي عوض الرئيس ناصر قبل 9 سنوات وسيحتفل العام القادم بشمعته العاشرة على رأس الفريق، قيدوما للمسيرين وعرابا لهم بالبطولة الإحترافية، أن يقيل من يشاء من المدربين ويعين من أراد، لكن ما لا يبدو مستقيما مع منطق الأشياء وتقاليد التقدير أن يحول مدربا من طينة العامري لمنشفة يمسح بها الأرض ويبخسه حقه كأول مدرب في تاريخ الفريق قاده للمجد والعالمية ولربح لقبين في 3 مواسم.
وبين حكاية التمثال التي ظل يرددها الرئيس تكريما لمدربه، والتمثيلية أو التمثيل  الذي رافق كواليس «تجرجير» المدرب لـ 10 أيام، تارة بغياب مخاطب رسمي وأخرى بتعنيفه بمكتبه وثالثة ببهدلته بالبلاطوهات ورابعة بتجريده من سيارته وأغراضه، وخامسة بتركيعه ليتخلى عن جزء من مستحقاته وسادسة برفض دفوعاته ومبرراته وشواهد مرضه وسابعة وثامنة وتاسعة وعاشرة..
بين تمثال الوهم هذا وتمثيلية الواقع، وصورة تحقير إطار وطني يمثل راهنا القيمة التقنية الأنجح على الإطلاق رفقة محمد فاخر بواقع النتائج والعروض، مهما اختلفنا معه على مستوى بعض الأفكار والقناعات، تظهر حقيقة مؤلمة تعكس أن هناك من يزال مصرا على الهرولة باتجاه معاكس لربط المسؤولية بالمحاسبة.
المتتبع لتصريحات أبرون سيلمس حضور لازمة «أبدا» في معظمها، والرجل على ما يبدو لا ينطق عن هوى فهو في طريقه لمعاكسة «إلا من رحم ربي» التي جاءت بها مضامين رسالة الصخيرات، ليكون رئيسا «أبديا» لفريق الحمامة..