بعد اليوم ستخلو كل الساحات من نضالاتها، وستفرغ كل موائد الحوار من شحناتها العاطفية، وسنبحث في كل أكوان الرياضة الوطنية التي تظللت بظلها الجميل، عن صدى حرقتها ولوعتها ومعاركها السلمية، فلا نجد مثيلا لما كانت تحدثه من صخب جميل..
رحلت عنا إلى دار البقاء البطلة الخالدة والعداءة الكبيرة المشمولة برحمة الله وعفوه فاطمة عوام من دون أن تعطينا أي إشارة، فقد غلب عليها التعفف، عفة الناس وعفة القلب، فما أرادت أن تشغلنا بمرضها، وكم كنا قاسيين معها عندما لم نسأل عنها يوم توارت بصمت خلف الستائر، تكتم الحزن وتشد على الألم وتقاوم بقلب المؤمنة بقضاء الله، الراضية رضاء كاملا بابتلاءاته، ما كان ممهدا للرحيل إلى العالم الآخر.
عرفت فاطمة عوام وقد كانت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي زمردة جميلة تزين العقد الأسطوري لألعاب القوى الوطنية، تجلب للقلوب السعادة وللوطن الفخر، تقاوم في جحرها الجميل من أجل أن تصدر لوطنها صور المجد، أبدا لم تكن في علاقتها معنا كزملاء إعلاميين تساوم أو تزايد أو تعتب، عندما ننشغل عنها وعن إنجازاتها بما يقل كثيرا عن وقع روائعها، كانت دائمة الإبتسامة ودائمة الترحيب، لسانها يلهج بالشكر لما كنا نفعله وما لم نكن نفعله، إلا أن الشخصية الكاريزماتية لفاطمة عوام ستظهر عندما أرخت الستارة على فترة ممارستها، منهية حقبة ملأى بالإنجازات العالمية والعربية والقارية، فقد تحولت إلى إمرأة مناضلة، ففتحت جبهات لمقاومة ما كان يعطل حركية الرياضة النسوية، ما يقتل فيها شريان الإبداع وما يحول دون تطورها بنيويا ولوجيستيكيا وفكريا.
لم تكن فاطمة عوام رحمة الله عليها تنشد من خيار الدفاع باستماثة على حقوق المرأة الرياضية المغربية الوصول إلى مناصب، وإلى احتلال مراكز في الواجهة، كما كان يفعل غيرها من النكرات، بقدر ما كان نضالها منصبا على تمتيع مراكز القرار بالآليات التي تضمن حضور الكفاءات الوطنية، وبقدر ما كان سعيها مؤسسا على انتزاع حقوق المرأة رياضيا، لأنها كما كانت تقول دائما صاحبة حق، لا تحتاج إلى تسول الأدوار.
اليوم عندما نعي أن فاطمة عوام أصبحت جسدا موارى تحت التراب، ندرك حقا فداحة وجلل المصاب، فقد فقدنا كرياضيين برحيل فاطمة عوام بطلة كاملة الأوصاف، بطلة في العدو وبطلة في دماثة الخلق وبطلة في النضال من أجل حق ما كان ليضيع ووراءه من هن في قامة وإصرار فاطمة عوام، وفقدت نضالات المرأة الرياضية صوتا كان يرتفع على الدوام لإبرازها في كل المحافل، وفقدت الرياضة الوطنية علامة فارقة ومميزة في تاريخها.
لا أملك أنا ومن أحزنهم الرحيل السريع للعزيزة فاطمة عوام، إلا أن أضرع لله عز وجل أن ينزلها منزل صدق إلى جوار الصديقين والصالحين وأن يثيبها ويجازيها خير جزاء على ما قدمته لبلدها وعلى ما استرخصته من جهد للإنتصار لقضايا المرأة.
نامي فاطمة قريرة العين، فقد أعطيت وأوفيت العطاء وضحيت وما أعظمها من تضحية، وخلدت بالعمل الرائع ما سيجازيك به الله خير الجزاء وما سيجعل منك منارة لا تنطفئ وإسما لا تمحوه الأيام.