كل من سيقبل على سنة 2014 المنقضية، لجرد ما جادت به من حصيلة رقمية إلا وسيصاب بالدوار لكثرة ما فيها من منحنيات ومنعرجات ومن دوائر ملتهبة، لن يكفيه أن يصاب برعشة الأصفار، فما كان في هذه السنة عديد من الظواهر الدالة على أن حالة الإفلاس المعلنة منذ سنوات لم تنته، ومن يظن أن هذا الإفلاس سيرتفع بعد سنة أو سنتين إما واهم وإما مفرط لحد الهذيان في التفاؤل.
ما أعجزنا بعد كثير من الدراسات التقويمية التي باشرها كل الوزراء الذين تعاقبوا على الرياضة المغربية، ورصدت لها خبرات دولية ومحلية وصرفت عليها إعتمادات مالية بالعملات الصعبة، أن نصل إلى حقيقة ما نحن فيه من عجز مركب ومن تراجع مهول ومن إبتعاد متزايد عن رياضة المستوى العالي، لقد دلتنا هذه الدراسات التي كانت مصدرا لاستراتيجيات قيل أنها ضبطت على المقاس لتخليص الرياضة الوطنية من أوجاعها، على أن الخلل في الهيكل، فما عجزت الرياضة الوطنية عن وقف حالة التراجع المرعب إلا لأنها إفتقدت لسياسة رياضية متطابقة وافتقدت لقامات فكرية تستطيع رصد الأفق الرياضي القريب وافتقدت لمحيط رياضي نظيف، بفعل ما جرى توارثه من عادات سيئة ومن حكامة مهلهلة ومن جامعات وأندية لا تتأسس في الفعل على القواعد الديموقراطية.
وبرغم أن السيد محمد أوزين الذي جاء ساخنا إلى موقع المسؤولية قد رفع العديد من الشعارات القوية التي غابت عن التقاليد الوزارية، وكان منها التصدي للحكامة للرفع من جودتها، والتصدي للجامعات الرياضية لوضعها على سكة الديموقراطية والتصدي للمنظومة الرياضية بشكل عام لعلمنتها وإخضاعها بالكامل لسلطة الأرقام، إلا أنه يجد نفسه اليوم وقد ودع مع سنة 2014 ثالث سنة له على رأس وزارة الشباب والرياضة، على هامش الأحداث لا يقدر على ما تفجر بين يديه من قنابل هاوية الصنع، فلا الحكامة التي وعد بها حضرت ولا دمقرطة الجامعات كانت بالصورة التي يرضاها الوضع ويلح عليها دستور البلاد ولا النتائج ضحكت على أي صعيد، بل إنه يجد اليوم نفسه مهزوما من جيوب المقاومة، ملدوغا من الطابور الخامس الذي قال أنه خرج عمدا لمقاومة التغيير.
كان بالإمكان أن نتجاوز على الحصيلة الرقمية الكارثية للرياضة الوطنية، لمعرفتنا اليقينية أن ما نحصده اليوم هو نتيجة لغرس سيء على مدار السنوات العشر الأخيرة، كان بالإمكان أن لا نبتئس مما نعيشه من خواء الوعاء الرياضي من أي إنجازات، لو أننا شعرنا أن سنة 2014 كانت بالفعل سنة إصلاح الإختلالات وسنة تقويم الإعوجاجات وسنة درء ما كان من مفاسد على كافة المستويات التدبيرية وسنة تطبيق الإصلاح الشامل للمنظومة الرياضية الوطنية، إلا أن الحقيقة الصادمة التي نقف عليها جميعا، هي أن الرياضة الوطنية لم تغنم إنجازات لغياب ما يشجع عليها بشريا وفنيا ولوجيستيكيا، ولم تقطع مع كل الظواهر السلبية التي سمتها الدراسات التحليلية كأسباب للإخفاق، فالوزارة التي يفترض أنها راعية ووصية على المشهد الرياضي تعيش تصدعا كبيرا ليس فقط جراء ما كان في كأس العالم للأندية من فضائح جرت الكل إلى التحقيق، ولكن جراء الفشل الكبير للمقاربة الإصلاحية، والأدهى من هذا وذاك أن الرياضة المغربية ضيعت على نفسها سنة يقول عنها الخبراء أنها سنة مركزية في الدورة الأولمبية، فكيف لنا أن نتصور اليوم تحديدا ما ستكون عليه مشاركتنا في الألعاب الأولمبية لريو دي جانيرو بعد 16 شهرا من الآن، وقد أمضينا سنة كاملة في التنابز والتلاسن وضرب مبرح لمصير رياضة المستوى العالي.
ونحن ننتهى لكارثية الحصيلة في بعدها الرقمي وفي بعدها الإصلاحي، ماذا ينفع الرياضة الوطنية لتخرج من بؤرة الأزمات ولتأخذ أخيرا طريقها نحو الإصلاح الهيكلي الشامل؟
كثيرا ما قلت مثل الكثيرين عند الحديث عن مشاريع حلول لأزمة الرياضة الوطنية، أن الحل قد يكون في خلق مجلس أعلى للرياضة يختص في تكوينه وفي هيكلته بوضع الإستراتيجية الأقدر على مطابقة الرياضة الوطنية مع ذاتها ومع الحقائق القارية والدولية، إستراتيجية تعمل ببعدين، بعد أول يختص بالرياضة القاعدية والجماهيرية فيضع لها ضوابط جديدة للرفع من جودتها على كافة المستويات بهدف إعادة صياغة قاعدة الممارسة التي تنطلق من الأحياء والدروب لتصل إلى المدارس والمعاهد والجامعات، وبعد ثان يختص برياضة النخب المنافسة على المستوى العالي، فيضع لها ضوابط وتقنينات وإجراءات تقنية وطبية ونفسية ومخبرية، لنحصل في النهاية على قمة هرم تستطيع أن تعيد المغرب إلى واجهة الأحداث قاريا ودوليا.
تحتاج الرياضة الوطنية إلى معالجة قائمة بذاتها لتخليصها من كل المعطلات التي نعرفها ونبغضها جميعا ولا نجد حيلة للتخلص منها، إنها تحتاج لإرادة جماعية لإزالة ما علق بها من شوائب بعيدا عن لغة الوعيد وبعيدا عن زلات الوصاية، فهل ستحمل سنة 2015 هذا الضوء الذي ينير ما تعتم في الطريق وهذه الإرادة التي تهزم المستحيل؟
إنه السؤال الذي نسوقه للمشهد الرياضي الوطني، بعد أن نبارك له ولكم السنة الجديدة.