هذه المرة لم يكن طريق الفيل الإيفواري يايا توري إلى جائزة الأسد الذهبي التي نتشرف بإهدائها لأفضل لاعب كرة قدم إفريقي للسنة، لا مفروشا بالورود ولا حتى يسيرا كما كان الحال في السنة الماضية، فقد كان التسابق إلى الجائزة الفخرية التي تكرم الإبداع الإفريقي من المغرب قلب إفريقيا النابض، رهيبا بينه وبين النجم الجزائري ياسين براهيمي، فقد إنقسمت الأصوات وتباينت المفاضلة واختلفت زوايا الحكم على الأداء الفردي الذي يستمد قوته وسحره من الأداء الجماعي، من المحيط الكروي الذي يمارس فيه، ومن مظاهر العبقرية التي أبرزها وهو يقبض على هذا اللقب أو ذاك.
ومثلما أن يايا توري إستحق أن يكون مجددا أفضل لاعب كرة قدم إفريقي لسنة 2014 لقاء ما أودعه من لحظات متعة ومن رسم اسطوري في ذاكرة المباريات التي خاضها مع منتخبه القومي أو مع ناديه المان سيتي في واحد من أقوى وأمتع الدوريات الأوروبية، فإن أسمر الكرة الجزائرية ياسن براهيمي أنجز للأمانة سنة خرافية كان يستحق عليها هذا اللقب الفخري، فلا جدال على أنه كان علامة فارقة في البطولتين الإسبانية مع غرناطة والبرتغالية مع الكبير بورطو، بما أبدعه على طول السنة من أداء قلده بكثير من الوشاحات، كما أنه كان لونا مميزا في لوحة شكلتها الكرة الجزائرية في المونديال الأخير بالبرازيل، عندما نجحت في عبور حاجز الدور الأول والسقوط بشرف من دور الثمن أمام الماكينات الألمانية التي ستضربنا جميعا بمفاجأة ما كانت تخطر بالبال وهي تصيب البرازيل بهزيمة تجرح الكبرياء.
لذلك عندما نقف على الفارق الصغير من النقاط الذي فصل الفيل الإيفواري يايا توري المتوج للسنة الثانية تواليا بالأسد الذهبي، عن الوصيف ياسين براهيمي المتوج بالأسد الفضي، فإننا نجزم بوجود اختلاف في الزاويا التي يقف عندها النقاد الرياضيون الذين شكلوا لجنة الحكم للرصد والتمييز، إختلاف الزوايا الذي يقول باختلاف في تنزيل المعايير الفنية والرقمية والرياضية التي يتأسس عليها الإختيار وتقوم عليها المفاضلة، فبينما يذهب البعض إلى الأخذ بناصية الإنجازات الفردية والجماعية لتكون له معيارا للمفاضلة بين النجوم، يذهب آخرون إلى الأداء الفردي وانعكاساته الإيجابية على الفريق لتسمية اللاعب الأفضل، وأعتقد أنه ذات الإختلاف الموجود اليوم في المفاضلة بين الثلاثة الذين إصطفاهم الإتحاد الدولي لكرة القدم للفوز بالكرة الذهبية العالمية، فبينما يقول البعض أن التتويج بكأس العالم وتصدير فلسفة جديدة في حراسة العرين يمنح الألماني كامل الحق في أن ينال الكرة الذهبية، يذهب بعض ثان إلى القول أن رونالدو ماكينة الأهداف هو من يستحق الفوز بالجائزة لأنه يجمع بين الإنجازات الفردية والجماعية على حد سواء ويذهب الفريق الثالث من النقاد والفنيين إلى الجزم بأن البرغوث ليونيل ميسي هو من يستحق الفوز بالكرة الذهبية لأنه يمثل حالة إبداع ناذرة في تاريخ كرة القدم العالمية.
لا خلاف على أن ياسين براهيمي كتب في سجله التاريخي وفي سجل الكرة الجزائرية والإفريقية واحدة من أجمل ومن أنصع صور الإبداع، أكان تصريفه فرديا أم جماعيا، فما كان عليه الرجل من أداء على طول السنة سواء مع غرناطة الإسباني أو بورطو البرتغالي أو مع منتخبه الجزائري، يقول بأن ياسين صعد إلى مدارات الكبار التي كانت محجوزة في السابق لأمراء الكرة الإفريقية ومصدر فخرها دوليا، صامويل إيطو وديديي دروغبا ويايا توري، وإن لم يفز براهيمي هذه السنة بهكذا ألقاب فردية فإن الأمر قد يكون مستحيلا في القادم من السنوات.
لا خلاف على أن المعايير كلها تقول بأحقية براهيمي في أن يكون أسدا ذهبيا، إلا أن ما ينطبع في الذاكرة وما تقوله الأرقام بخصوص الفيل الإيفواري يايا توري الذي أصبح اليوم بقوة ما يبدعه مع المان سيتي الفريق الذي يعج بكبار نجوم العالم، يجعل منه مستحقا لأبعد حد أن يكون للسنة الثانية على التوالي الأسد الذهبي لـ «المنتخب»، فما أروع أن يكون هذا الأسد هو يايا توري وما أجمل أن يكون يايا توري هو من يجسد بأجمل صورة قلب وزئير الأسد، فالجائزة كما كان الحال في النسخ العشر الماضية ذهبت لمن يستحقها، وهذا دليل آخر على صدقيتها ومصداقيتها، في زمن بات فيه الكثيرون يرتابون ويتحيرون بل ويتشاءمون من جوائز إعتبارية وفخرية تحولت في أيدي البعض إلى جوائز ربحية تطغى عليها المزايدات ويخربها الفكر التجاري.
.....................................................
قد يرى البعض في تراجع نجمنا الدولي المهدي بنعطية إلى المركز الثالث لينال الأسد البرونزي وهو من كان السنة الماضية وصيفا للأسد الذهبي 2013 يايا توري، عنصر إبهام بالنظر إلى أن ما قدمه عميد أسود الأطلس من أداء رائع في النصف الأول للسنة مع روما الإيطالي وما قدمه في النصف الثاني مع باييرن ميونيخ الألماني، إلا أن طبيعة الرهان الذي تحكم فيه الأداء الفردي مع المنتخب القومي، لحضور كل من ياسين براهيمي ويايا توري مع منتخبيهما الوطنيين بكأس العالم بالبرازيل، هو ما حكم على المهدي بنعطية بالوقوف في المركز الثالث، هو من ينفرد عن الإثنين في أنه يشغل مركزا دفاعيا هو الأقل حظوة بين المراكز الأخرى في كل التصنيفات، إلا أنني على يقين كامل من أن المهدي بنعطية الذي بلغ أولا سن النضج ووصل ثانيا إلى قمة الأداء الذي يسمح له بأن يكون مرتكزا في منظومة غوارديولا ويستطيع ثالثا أن يتذوق طعم الألقاب مع نادي بقيمة الباييرن، سيفرض نفسه هذه السنة إن شاء الله، وقد لا يكون مفاجأة لأي أحد أن يكون أول لاعب مغربي ومغاربي يفوز بجائزة الأسد الذهبي.