لو دامت لغيرك ما وصلت لك، يوم لك وأيام قد تكون عليك أو ضدك وهكذا هي دول بين الناس، من تسره للحظة تسؤه لأزمان.. ويا حسرة على كل من أخذهم جنون العظمة إعتدادا بالنفس لمساحات خيال شاسعة سوريالية فأوهمتهم بالخلود..
بعد المآل الحزين لأوزين، ولا أقصد به إعفاءه من منصبه الوزاري بقدر ما كان مظهر الحزن والبؤس مجسدا في صورة الجلد ونتف الريش وحتى السخرية منه في أسوأ صورها، تلك السخرية التي رافقت الرجل على امتداد شهر كامل جعله يدخل مدن أحزانه وحيدا، ويفطر كل يوم على وقع خبر يقتلع قلبه من جوفه، بعد أن حشر غرماؤه وأعداؤه أنفهم في أكثر من «طاجين» سهر الوزير المخلوع على طبخه.
تقول الأسطورة الإغريقية أن فتى وسيما كان يدعى نرجس كان معجبا بنفسه أيما إعجاب، فقاده هذا الإعجاب والتماهي المبالغ به بالذات يوما، ليجلس ذات يوم على طرف نهر ليرى وجهه وجماله ينعكس على مائه المنسدل بصفاء.
ومن فرط هذا الإعجاب إرتمى نرجس على وجهه المعكوس على ماء النهر ليقبله ويعانقه، فغرق نرجس وراح لحيث يروح الغرقى بعد أن أكله الحوت وهشم جمال وجهه وعبث به.
من هنا جاءت كلمة النرجسية التي تلخصها المعاجم وقاموس البيان على أنه أقصى درجات الإعجاب بالذات، وهو صفة ذميمة يقابلها الإيثار الفاضل بأركان قيمه النبيلة التي يجد أصحابها مكانا رفيعا بالدارين معا.
ما حدث لنرجس عاشه للأسف أوزين، كلاهما غرق لذلك لا يوجد اختلاف في النهاية والمصير، لأن القدر الساخر يلخص اليوم أن أوزين «هزوا الما وكلاه الحوت».
وبعيدا عن شماتة الشامتين وزهو من نصبوا الوزير المخلوع ذات يوم غريما لهم، وسعدوا لمصيره الذي انتهى به ضحية لملف راهن عليه ابن إيفران ليعلي به أسهمه ويواصل من خلاله مشروعه السياسي وطموحه بالتسلق لأعلى مدارج التصنيف وزاريا وحتى حزبيا، بعد أن انقلب السحر على الساحر، وأصبح مونديال الأندية وقاعة العرس مجسدة في المجمع الأميري خزيا ووبالا على عرابهما.
بعيدا عن هذه الشماتة وبعيدا عن هواية المشي على الجثث، يجدر التقاط الإشارات التي بلغت أوزين لتفعيلها مرجعا وتجسيدها منهجا في نطاق التسيير المسوس والفاسد بالرياضة المغربية.
لا ينبغي أن يكون ما حدث مع أوزين هو سدرة المنتهى، لأن التجلي الصريح لربط المسؤولية بالمحاسبة كما ارتأى عاهل البلاد بأن تمثل لنا الخيط الناظم لإصلاح منظومة الرياضة منذ بلاغة رسالته الحصيفة بالصخيرات، يجب أن يمتد لعينة مسيرين يصرون على حشر أنفسهم ضمن زمرة «إلا من رحم ربي».
رئيس يدير ظهره للعاصفة وينحني أمامها وينسحب بخبث ليحول رئاسة فريقه لصهره، فيحتفظ هو بــ «التيلكوموند» حيث يغير الساتيليت متى شاء ومن «الفيرمة»، ظاهرة يجب أن يجد لها لقجع ومن يدور في فلكه حلا لها كي لا تصبح مرجع السوء.
ورئيس يرفض الرحيل ويصمد بوجه دعاوي قضائية وملاحقات فضائحية، ويصر على التوصل بــ «كيتوس البراءة» من شريك له في معادلة الفساد ليمكنه من «ساروت المحلبة» ويرحل رافعا شعار «نفع واستنفع».
ورئيس يخرج جهارا نهارا عينيه على العالمين فيخبرهم أنه مدين لفريقه بنصف مليار ومستعد للتخلي عن نصفه مقابل التوصل بالنصف التالي، وإلا سيحكم عليه بالهبوط ويدفنه في مستنقع  الهواة إلا أن يشاء الله.
ورئيس يوثق دينا بمليار بذمة فريق بعد أن يقضي فيه 7 أحوال بالتمام والكمال ويرحل على أمل استرداد الدين وبالتقسيط غير المريح، ورئيس يرحل وفي جيبه توقيع وإقرار إعتراف حفنة منخرطين لا يجيدون غير التصفيق و«الصريط» ويسبق فريقه لاستخلاص حوالة الجامعة باسم الإقرار بهذا الدين.. ورئيس ورئيس ورئيس...
كل هؤلاء يجب أن يعيشوا ما عاشه اوزين وأن يجدوا طريقهم للمصير ذاته، ومن يملك للأسف هذا القرار هذه المرة، هم منخرطون تحولوا في زمن الإحتراف لحنايكية وسماسرة وحياحة، يجيدون التأمين على قرارات الرئيس وبعدها يلحقون بضيعته لأخذ نصيبهم من بيض الدجاج المتفق عليه.
الجمهور قام بما يمليه عليه ضميره، هاج وماج وثار وكتب على الجدران والحيطان «إرحل» والبقية تركها بملعب المنخرطين لمحاربة أكثر من نرجس ماسك بالأختام.
نرجس الـموجود داخل أوزين هو ما جعله يخطئ حين وثق بأزروال الذي أخطأ بحضرة الهواة، ورقاه لمرتبة محترف يلعب مع المحترفين..
نرجس الوزير جعله يخطئ بمحاسبة على السريع لكبش اسمه العكاري، دون أن يدرك أن هذا العكاري هو من أكبر المعمرين بالوزارة ويملك حصانة تجنبه العقاب..
هو نفسه النرجس الذي ركبه كما يركب الهبال عادة العظماء حين سفه وصية حياتو، واعتقد أن لازمة «متمسكون بالتنظيم مصرون على التأجيل» ستهزم (الكاف)..
وختاما هو نفسه نرجس الذي جعله يثق مرة في بلاتير ويأمن شره، ويؤكد أنه هو والثعلب السويسري يتشابهان ويتقاسمان خصال الدهاء وعبق الجبال..
بعد كل الذي حدث وبعد أن وضع قرار الإعفاء نقطة وعودة للسطر في مسار الوزير المخلوع، سيكون من باب الإعتراف الذي هو فضيلة أن يغرد أوزين على حائطه الفيسبوكي بأشهر عبارة يقر بها المغرر بهم عادة «أي نعم.. فهمتكوم..».