نتفق على أن إعفاء محمد أوزين من منصب وزير الشباب والرياضة الذي جاء إليه قبل ثلاث سنوات محمولا على حماسة كبيرة، إنما جاء ليخفف نسبيا مما أصاب كل المغاربة من تقرحات للجرح الذي صدره مجمع الأمير مولاي عبد الله بالرباط بمناسبة كأس العالم للأندية التي بها إنتهى العام، وبالقدر ذاته جدد ثقة المغاربة بقوة مضامين دستورهم الجديد الذي نصص على ضرورة إقران المسؤولية بالمحاسبة.
نتفق على أن أوزين دفع منصبه كوزير للشباب والرياضة، ثمنا لغلطة جزمت التحقيقات التي باشرتها وزارتا الداخلية والمالية بأنه إرتكبها، وكان فيها ما يقول صراحة أنه يتحمل المسؤولية السياسية والإدارية لكل الإختلالات التي شابت تأهيل مركب الأمير مولاي عبد الله، وأن هذا الذي حدث لا يمثل فقط سابقة في التاريخ السياسي الحديث، ولكنه يذهب إلى وضع كل من يتولون إدارة أي مرفق من مرافق الدولة أمام حقيقة أن هناك آلية للمحاسبة وللمساءلة، مع ما يستوجبه ذلك من اختبار القدرات والكفاءات قبل إناطة تسيير أي مرفق عمومي بأي كان.
إلا أننا ونحن نتفق على هذا كله، لن نختلف على أن محمد أوزين يترك اليوم وزارة الشباب والرياضة تنفيذا لأحكام الفصل 47 من الدستور، وقد ملأ الفضاء بتصريحات نارية وبمشاحنات قوية ومعارك ضارية قال أنه كان يخوضها، عن سبق إصرار وعن نية معلنة للتطهير والإصلاح من أجل إحلال مبدأ الحكامة الجيدة ومن أجل طبع المشهد الرياضي بأكبر قدر من الشفافية ومن أجل دمقرطة الجامعات الرياضة وقهر جيوب المقاومة وكل من يقف في الطابور الخامس.
لم يكن كل ما قاله أوزين لغوا يجب أن نعرض عنه، ولم تكن كل المعارك التي أعلنها من أجل الإنتصار للديموقراطية وللحكامة الجيدة سليمة من كل نوازع الإنتقام وخالية من الشوائب، هو من إفتقد في مراحل بالغة الحساسية والدقة إلى مؤسسة يستشيرها فتواجهه بالحقائق مهما كانت قاسية على النفس، لا بالضلالات وبالخبث، تهذب أسلوبه في التواصل مع المشهد الرياضي، لا تكذب عليه وتشجعه على تجاوزاته.
من حقنا جميعا أن نتساءل وقد ترك أوزين وزارة الشباب والرياضة ممتثلا لأحكام الدستور، عن الحالة التي ترك عليها الرياضة الوطنية بعد ثلاث سنوات من الوصاية؟ عن الأشواط التي قطعها في كل الأوراش التي قال أنه فتحها تنزيلا للإستراتيجية التي قال أيضا أنها مستوحاة من الرسالة الملكية الموجهة للمناظرة الوطنية حول الرياضة سنة 2008؟ عن نجاحاته وعن إخفاقاته؟ عن المآل الذي ستؤول له الرياضة الوطنية اليوم والكل يقف على حقائق تصيب بالحزن وبالدوار؟
منذ زمن بعيد لم يحصل قطاع الرياضة على وزير صاحب نظرة ثاقبة وصاحب فكر إصلاحي وصاحب قامة فكرية يحدث حولها ومعها الإجماع، ولربما كان من أسباب هذا الغياب المستفز لرجل قوي يحمل على كتفيه هذا العبء الثقيل، في مغرب لا ينقصه الكفاءات، أن حقيبة وزارة الشباب والرياضة مصنفة في مرتبة دونية بين كل الحقائب الحكومية، لا يأتيها إلا في الناذر أشخاص لهم ما يؤهلهم للإستوزار ولكنهم أبعد ما يكونون عن المعرفة الكاملة بخلفيات وحيثيات الممارسة الرياضية التي لها كما ذكرت الرسالة الملكية طبيعة معقدة ومتشابكة، لن يستطيع سبر أغوارها من لا يملك اللياقة الفكرية والرياضية.
ولئن كنا قد جزمنا عبر كل المقاربات والقراءات النقدية العميقة التي أنجزناها كإعلاميين وخبراء أو حتى كمكاتب للدراسات، بأن إحدى معطلات الرياضة الوطنية هو إختلال نظام العلاقات ونظام توزيع المسؤوليات ونظام المساءلة، فقد كانت السياسات الفاشلة التي توالت على وزارة الشباب والرياضة إحدى أكبر أسباب هذا العطل القاهر والمانع لكل ثورة إصلاحية، وإذا ما حملنا الجامعات الرياضية والنوادي مسؤولية الإخفاقات التي توالت على الرياضة الوطنية في محيطاتها القارية والدولية، لوجود كثير من معطلات العمل القاعدي وحتى النخبوي، فإنه من البديهي أن تتحمل وزارة الشباب والرياضة مسؤولية هذا التراجع المهول، لكونها الوصي المباشر على هذا القطاع، بما أورثته هذه الوصاية أحيانا من تضييق على الديموقراطية ومن إسهام في ديمومة بعض الأشخاص في قيادة جامعات بعينها ومن تطبيق خاطئ لمبادئ الوصاية العاقلة.
إن ما يحدث اليوم موجب لحركة تصحيح تبدأ من المنظور الحكومي للقطاع وتنتهي بإقرار ما يتطلبه الظرف وما يستجيب لمتطلبات الزمن الرياضي العالمي، الذي ما إبتعد عنا إلا لأنه فصل بين السلط وأحدث للرياضة مؤسسة تديرها وترعاها وتخطط لمستقبلها بالإعتماد على الخبرات وعلى الفكر التقنوقراطي الذي يعترف للرياضة بخصوصياتها ويعترف لها بعلميتها أيضا.
وعندما نسأل عن المقاربة التي تعتمدها الحكومة اليوم في تدبير الرياضة بمختلف حلقاتها، من الحي إلى المدرسة، إلى الجامعة، من رياضة القاعدة إلى رياضة النخبة، عندما نسأل عن مآل رياضة المستوى العالي ونحن على بعد 18 شهرا من أولمبياد ريو دي جانيرو وما حدث لها من إجهاض وتفقير، عندما نسأل عن الميزانية المرصودة من الحكومة لقطاع الشباب والرياضة وهي هزيلة ولا تصح معها المقارنة مع دول الجوار، نصل إلى حقيقة أن ما يضرب الرياضة الوطنية من أزمات ومن إخفاقات رقمية وهيكيلية، يفرض الإعتراف بأن الحكومة أعفت نفسها منذ زمن طويل من مسؤولية إصلاح الرياضة، فما فعلت شيئا ملموسا من أجل أن تجعل من الرياضة قطبا من أقطاب التنمية المستدامة كما أكد على ذلك عاهل البلاد في رسالته السامية لمناظرة الرياضة قبل سبع سنوات.