لو تركنا بنعطية بهلاميته وحتى عصاميته الكبيرة التي جعلته ينحت الصخر ليصبح اليوم واحدا من أفضل 10 مدافعي العالم، وفقا للتقييمات الموضوعية المبتعدة عن التعصب وانتماءات الألوان والعرق، وباقي التفاصيل التسويقية التي أصبحت اليوم حاسمة على مستوى الجوائز الفردية التي تتبناها أجهزة كروية وتديرها من خلف الستارة مؤسسات اقتصادية وهولدينغات رعاة، يدافعون عن الماركة التي اختاروها حتى ولو بمخالفة منطق الجودة والكفاءة..
لو تركنا هذا اللاعب جانبا، فلا أحد يجادل اليوم في كون عبد الحميد الكوثري هو أفضل المدافعين المغاربة بالخارج، إلا إذا كان له منظاره الخاص ونظاراته الخارقة التي يرى من خلالها «الشو» والأداء التقني لكل  محترف من المحترفين المغاربة.
وأخيرا لو تخلص المدربون من منطق الحسابات الذاتية وشخصنة التقييم، وتحلوا بالواقعية  والتجرد من العاطفة لكان مصير لاعبين غير الذين انتهوا إليه ولراح آخرون لمزبلة التاريخ..
ما يوقع عليه الكوثري هذا الموسم رفقة نادي موبوليي الفرنسي وهو بالمناسبة باكورة من باكورات تكوينه، من أداء راقي ومن حضور مميز، يجعل منه المدافع الأكثر تميزا بالليغ 1، واللاعب الأكثر تجسيدا لصور الظلم في التعاطي مع اجتهاده، ومكافأة سلوكه الحسن وانضباطه الكبير المشهود له به.
الكوثري هو المحترف المغربي الوحيد الذي خاض 19 مباراة بالتزام واسترسال رفقة فريقه، وهو اللاعب الوحيد الذي وصل مرحلة الشتاء وفي رصيده 2000 دقيقة من التنافسية واللعب، وهو أيضا المدافع الوحيد بالبطولة الفرنسية الذي خاض هذا الكم الكبير من المباريات وتلقى مقابله بطاقة صفراء واحدة، وكانت مجانية بشهادة الصحافة الفرنسية والمواكبين لمستجداته.
شهادة مدرب خبير وقدير من حجم كوربيس وهو العارف بالكثير من خبايا الكرة الفرنسة بحق الكوثري، حين أكد أنه نموذج حي للاعب المحترف بمعنى الكلمة والمدافع المكتمل القادر على التفاعل مع كل المباريات بروح عالية وإصرار كبير، دون أن يغير ذلك في طبعه ولا تواضعه شيئا.
شهادة هذا المدرب والأرقام التي استعرضتها وكذا صمود هذا اللاعب في وجه الطاحونة التي اقتلعت عددا غير يسير من اللاعبين الذين تركوا مونبوليي، ليظل سفير الكرة المغربية الوحيد بالفريق بعد احتراف بلهندة وتراجع أداء أيت فانا، إنما تلخص ما ينبغي أن يلتقطه الزاكي ويكف بالتالي عن إعمال مقاربته الذاتية في تقييم اللاعب.
قبل أسبوعين من الآن، تفاعل الإعلام الفرنسي بصحافته الرياضية وغير الرياضية مع حادث الإعتداء على مجلة «شارلي إيبدو»، وصوبت قنابل باتجاه كل من أدار ظهره للمسيرة المليونية المتعاطفة مع ضحايا الحادث، وحده الكوثري من بين كل لاعبي البطولة الفرنسية من رفض حمل قميص كتب عليه «كلنا شارلي إيبدو».
إستهداف الكوثري من بعض الأقلام المتعنثة لم ينل من قناعاته الدينية ومن مبادئ لا يبدي اللاعب المغربي أي استعداد للتنازل عنها.
غرد الكوثري بعد المباراة وبرر موقفه بأنه ضد استهداف الأبرياء لكنه مصر على احترام الآخرين للعقيدة والدين و ألا يجعلوها واجهة لاستفزاز مشاعر المسلمين أو غيرهم.
لحسن حظ الكوثري أن المباراة التي شهدت الحادث كانت أمام أولمبيك مارسيليا، حيث نصب المدافع المغربي نفسه جلمودا، وحصنا منيعا وذراعا واقيا بوجه مهاجمي فريق المدرب بييلسا، ولينال تنقيطا عاليا جعله ينال إشادات كبيرة غطت على هوامش التعاطف مع ضحايا الحادث وشكلية تافهة تجلت في حمل قميص دعائي رخيص.
مواقف الكوثري الدينية معروفة، فهو من طينة اللاعب الخلوق جدا واللاعب الملتزم الذي لا يجد حرجا في أن يقبل على تجويد القرآن وبصوت مسموع حين يختار باقي لاعبي المنتخب الوطني اللهو ببهو الفندق بالبلياردو.
قبل فترة من الآن عاش الكوثري اضطهادا كبيرا من المدرب البلجيكي إيريك غيرتس، والسبب هو كون الكوثري انتقد علانية سلوك بعض زملائه بمنتجع ماربيا الإسبانية، بعد حادث حرق سجادة بالسيجارة و»الشيشا»، حيث أدت الجامعة السابقة فاتورة الخسارة، وطالب اللاعب المدرب بمراجعة منسوب المعسل في دم اللاعبين قبل السفر للغابون.
وما إن وصل المنتخب الوطني للغابون حتى أحال غيرتس اللاعب على دكة البدلاء ليتيح الفرصة أمام لمراني من الجيش ليعوضه، ويصبح الكوثري زبونا وفيا لمساجد ليبروفيل بعد أن وصلته رسالة التهميش عقابا له على فتوى ماربيا.
ومؤخرا إصطحب الزاكي الكوثري واحدا من رجال لائحته الأولى لمعسكر البرتغال، ومر كل شيء بسلام ليتغير واقع الحال بعد رحلة روسيا، حيث تم الترويج لمبادرة الكوثري الذي رفض أكل دجاج روسيا بسبب معلومة تلقاها من زميل له على أنه يذبح بغير طريقة المسلمين.
أشار الكوثري على بلهندة وبوصوفة وبعض من المقربين منه بضرورة الخروج لأكل الدجاج الحلال، يقينا منه أنها خطوة قد لا تغضب الزاكي، ومن يوم اختار اللاعب أكلة الدجاج الحلال حتى صار عرين الأسود بوجهه حراما.
جرب المدربون المتعاقبون على الفريق الوطني وصفات عدة للاعبين رافقوا بنعطية بمتوسط الدفاع ولا أحد أقنع أنه المرافق المثالي لهذا اللاعب.
ولو عدنا لاستحضار أداة الشرط هاته «لو» ودققنا في تحليل المباريات التي رافق فيها الكوثري بنعطية بخط دفاع الأسود وأكثرها تعبيرا مباراة الجزائر برباعيتها الشهيرة، وصرامة خط الظهر يومها في إحباط كل مناورات المحاربين..
لو تعامل الزاكي بموضوعية مع هذا التقييم ورفع شعار «عفا الله عما سلف»ّ ويعيد الكوثري للعرين، أكيد سيربح ثنائيا رائعا سيذكرنا بدفاع الأسود على عهد نفس الزاكي قبل عقد من الزمن حين كان حصنا منيعا بوجه المنتخبات الإفريقية المنافسة.
حرام إذن أن يظل الكوثري خارج الحسابات لا لسبب سوى لأنه لا يأكل الحرام؟