في النهاية ستكون للفريق الوطني شهر مارس القادم مباراة دولية تقوده رأسا إلى رحاب الكبار; حيث يكون المحك قياسا لجدارة الإنتماء لكرة القدم ذات المستوى العالي، وحيث تكون المشاكسات التقنية والتكتيكية إختبارا جديدا للشخصية ولهوية اللعب اللتين طالما بحث عنهما الفريق الوطني في سنوات الضياع والتيه.
منذ مجيء الناخب الزاكي بادو مقترنا بتنصيب السيد فوزي لقجع رئيسا على جامعة تستأثر بالمتابعة والفريق الوطني يولد من رماده القديم بشكل متثائب لا يؤهل قطعا لإصدار أحكام قيمة بخصوص الهيئة الفنية والطباع النفسية التي أصبحت له، فكل المحكات الودية التي طلب الزاكي أن تكون حكرا على منتخبات إفريقية، شاء تزامنها مع إنشغال المنتخبات الإفريقية المصنفة في المستويين الأول والثاني بالتصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا للأمم، أن تكون أمام منتخبات إفريقية بأحجام فنية صغيرة جدا، لذلك عندما يلح الزاكي في طلب ترتيب مباريات ودية مع منتخبات عالمية مصنفة في الرتب المتقدمة في سلم الفيفا ويصادق فوزي لقجع على الطلب، فإن ذلك معناه أن يمر البناء إلى مرحلة متقدمة يكون معها ممكنا عرض الفريق الوطني بشخصيته الفتية وبهوية لعبه الجديدة على محك إختباري يقدم خلاصات وأحكاما وإشارات تقنية وتكتيكية ونفسية أيضا.
وعندما فكر الزاكي في أن يكون اللقاء الودي للفريق الوطني أمام منتخب أمريكي لاتيني تحديدا، فإنه راهن على مدرسة كروية ترفع قيمة وقدر الإمتحان، وراهن على طبق كروي يرفع عن اللاعبين الغبن الذي ما زال إلى اليوم يطاردهم وقد حرموا من حلم لعب كأس إفريقية على أرضهم وأمام جماهيرهم، ولتعويض جمهور مغربي شغوف عن الضرر الذي لحقه مع ترحيل الكان إلى غينيا الإستوائية.
وبرغم أن الإختيار على هذا المنتخب الأمريكي الجنوبي لما لهذه المنطقة من وزن ثقيل في ميزان الإبداع والخلق، ما زال إلى الآن يعيش مرحلة مخاض بعد أن طلب منتخب الطانغو الأرجنتيني تأخير الموعد وبعد أن رفع منتخب الصامبا البرازيلي سقف المطالب المالية إلى مستوى تعجيزي، إلا أن التلاقح التقني والتكتيكي في صورته المقترحة يمكن أن يعود بالفائدة الكبيرة على الفريق الوطني، في إنتظار برمجة وديات ضد منتخبات إفريقية من العيار الثقيل، لإلباس الفريق الوطني الجلباب التكتيكي والنفسي الذي سيساعده في حله وترحاله الإفريقي بحثا عن تأهل كم سيكون رائعا وتاريخيا لنهائيات كأس العالم 2018 بروسيا. 
.....................................................
ماذا لو أقلعنا عن الفكر الصدامي الذي نتناول به قضايانا الرياضة والكروية على وجه الخصوص، والذي إن حضرت فيه الغيرة والأنانية كثيرا لم تحضر فيه الموضوعية والحكمة والتبصر إلا قليلا ونادرا..
أنتبه إلى ما يثيره الفاعلون الرياضيون المباشرون، من مسيرين ومدربين من قضايا، فلا أجد في التناول تعاطيا موضوعيا ولا أجد في العرض النقدي لا بدائل ولا مقترحات، الكل يقف بمحاداة نفسه مكثرا من البكاء  والندب، ولا قدرة لكل هؤلاء على أن يأتوا بومضة نور ترفع العتمة ولو أن هذه العتمة لا توجد إلا في فكرهم.
تحتاج الرياضة الوطنية وكرة القدم تحديدا إلى من يغنيها بالأفكار لا بالعويل، إلى من يبحث لها عن إمكانات مالية ومشاريع إستثمارية لا إلى من يشرب من ثديها الذي جففته الشفاه الجائعة، إنها تحتاج إلى مبدعين لا إلى مهرجين.
ما أبعد اليوم عن الأمس، برغم أنني لا أريد أن أنعث بالماضوي وبالسلفي وبالذي يقف حزينا أمام الأطلال، إن الوضع يحتاج إلى دخول فعلي للمثقفين ولصناع النجاح في أي مجال لتخليص كرة القدم والرياضة بشكل عام من كل الذين يدفعوننا دفعا إلى الرداءة.
كيف يمكن أن نصل إلى رياضة لا مكان فيها إلا للشغوفين والحالمين والمنتصرين للقيم الرفيعة والملتزمين بثقافة تقرن المسؤولية بالمحاسبة؟
ذلك هو السؤال الذي يجب أن نبحث له عن جواب.
.......................................................
من كل المباريات التي شاهدتها من النسخة الثلاثين لكأس إفريقيا للأمم التي شاء الفكر التجاري والتسويقي لا الرياضي للكاف أن يرحلها إلى غينيا الإستوائية، إستوقفتني كثيرا مباراة الجزائر وجنوب إفريقيا بسيناريوهاتها الغريبة والعجيبة وبأحكامها الفنية الشاذة وأيضا بنتيجتها النهائية التي لا تصلح أبدا عنوانا للمباراة نفسها.
خالفت الكثيرين في القول بأن منتخب الجزائر سيكون مرشحا مطلقا للقب هذا الكان، لمجرد أنه ينهي سنة ثالثة في بناء برجه التكتيكي المحصن ضد الأوجاع، ولمجرد أنه يتصدر ترتيب المنتخبات الإفريقية في تصنيف الفيفا ولمجرد أنه كان الوحيد بين المنتخبات الإفريقية الخمسة المتأهلة للمونديال الذي إرتقى إلى الدور الثاني، فما يدلنا عليه تاريخ الكأس القارية البعيد قبل القريب، هو أن هذه الكأس لها طقوسها ومناخاتها التي لا تقبل بأي تصنيف من أي نوع كان، وكانت مباراة جنوب إفريقيا دليلا قويا على أن من يدخل مرشحا فوق العادة ليفوز لا يفوز شرطا، وإن فاز، فاز كما فعل منتخب الجزائر ضدا على الطبيعة وضدا على مجريات المباراة.
منتخب الجزائر مكتمل الصفوف رأى رأي العين من الأولاد ما لم يكن يدور بخلد لاعبيه، فقد كان منتخب جنوب إفريقيا قبل أن يهدم الصرح مدافع جنوب إفريقي بهدف سجله خطأ في مرماه، هو السيد المطلق ليس فقط بهدفه المسجل من بناء هجومي غاية في الروعة، وليس فقط بضربة الجزاء الضائعة ولكن أيضا بالقدرة الرهيبة على تركيع خط دفاع بالكامل، ولولا أن للجزائر حارسا بخبرة وسرعة بديهة رايس مبولحي لكنا اليوم نتحدث عن هزيمة تاريخية لمحاربي الصحراء، أكثر ما نتحدث عن معجزة خلصت الجزائر من سقوط مريع في أول الطريق.
صدقا لا أفهم مصدر كل هذه الأخطاء التي ظهرت على العمق الدفاعي لمنتخب الجزائر، فهي أكبر وأقوى من أن تنسب لمنظومة تكتيكية جازف بها المدرب غوركوف، وبذات الصدق أقول أن منتخب الجزائر كان محظوظا في الفوز بمباراة مفصلية لعبها بأردأ وأبشع أسلوب، ولعله لن يأتي بعد اليوم بأداء من نفس الطبيعة.