ليست حالة إستثناء هاته التي أدخلنا إليها تدبيرنا الأرعن لمرحلة غاية في الدقة والمصيرية في تاريخ كرة القدم الوطنية وتحديدا في مسار الفريق الوطني، بل هي حالة إهتراء معلن نجزم على أنه بلغ حالة جد متقدمة، أخاف أن تكون له تداعيات خطيرة على المستقبل القريب لأسود الأطلس، فما كان الظن يصبح يقينا على أننا تعدينا مرحلة العطالة الموجبة للكسل والمؤدية لا محالة إلى منزلق خطير وجامعة تصريف الأعمال تقرر أمرين إثنين لهما طابع الإستعجال، أولهما ترتيب لقاء ودي للفريق الوطني سيلعبه يوم الخامس من مارس القادم أمام فهود الغابون الذين يعيشون وضعا شبيها بوضع الأسود، وثانيهما إناطة مهمة قيادة الفريق الوطني بشكل مؤقت بالإطار حسن بنعبيشة، ما كان الخاطر يرتاح والجامعة تأخذ القرارين معا بكل حمولاتهما الإستراتيجية حتى فتحنا على أنفسنا أبواب الجحيم وعلى صفحات الجرائد وفضاء المواقع تتداعى تصريحات تنبئ بأن الوضع سيزداد تأزما وأنه ربما كان أهون أن يبقى الفريق الوطني معطلا عن المنافسة إلى حين مجيء ناخب وطني مع انتخاب إدارة جديدة للجامعة، على أن نصيب الفريق الوطني باسم محاربة العطالة بصدع جديد أشد وطأة وأعنف وقعا.

لست أدري هل كان ضروريا أن يذهب حسن بنعبيشة وهو في جلباب الناخب الوطني المؤقت، هو الذي جنب نفسه لحكمة بليغة يخبر لوحده أسرارها الدخول إلى دهاليز الحوارات، إلى إصدار أحكام قيمة وإلى الجزم بأشياء يعرف أكثر من غيره أن لها طبيعة مؤقتة ولا يمكن حتما أن تحدد لا المصير ولا المستقبل القريب للفريق الوطني، لأن ناخبا وطنيا سيعتمد بعد أيام أو حتى أسابيع هو من سيرتبط بأسلوب عمله وباختياراته المستقبل القريب للفريق الوطني.

في حوار لمجلة «فرانس فوتبول» الفرنسية قدم حسن بنعبيشة كما فعل ذلك في حواره مع «المنتخب» رؤيته لطبيعة المهمة المناطة به وللطريقة التي سيجري بها تدبير هذه المرحلة التى تكاد تكون مستثناة روحا ونصا، شكلا ومضمونا في تاريخ الفريق الوطني، وكنت أنا وغيري من الذين يجيدون قراءة ما بين السطور وحتى خلفية إجراء حوار من هذا الصنف في مجلة مثل «فرانس فوتبول» التي ما توقفت عن تصدير مدربين وناخبين وطنيين لأسود الأطلس، كنا سنقبل على مضض أن يتحرك بنعبيشة ليقدم نفسه من خلال الأدوار التي سيلعبها بالحكمة المعروفة عنه، ليحدد أبعاد المهمة في الزمان والمكان لولا أن الحوار إنحرف إلى سكة لم يكن يرغبها أحد، السكة التي جعلت بنعبيشة هو من لا أحد كان سيسأله عن إختياراته يقدم أحكام قيمة، يبرر أسباب إسقاط يونس بلهندة من اللائحة، ولأن المحاور كان من بيئة كروية فرنسية فقد سأل عن سر تغييب بلهندة هو من كان عنصرا تابثا في تشكيل الفريق الوطني، فإنه لم يسأل عن تغييب أمسيف الذي تسلم أمانة حراسة مرمى الفريق الوطني من نادر لمياغري مباشرة بعد الكأس الأممية الإفريقية الأخيرة بجنوب إفريقيا.

سمح الإستسهال وأيضا الحوار الموجه في إثارة الزوبعة التي ما كان يشتهيها أحد منا حتى وإن إختلفنا في تقييم ردات الفعل، فقد تحرك المهدي بنعطية على الفور من موقعه كعميد للفريق الوطني ليلعب دور قوة الردع ويشجب كل ما جاء في حوار بنعبيشة بنية وشكلا، فهو لا يقبل أن تورد الأسود بهذا الشكل الأرعن ولا يقبل أن يمس بلهندة الذي يعتبر إلى اليوم خامة إبداعية كبيرة باسم تنافسية سنتأكد عند تفحص اللائحة الأولية التي جرى تداولها بشكل غير رسمي، لأن الجامعة لم تعممها على وسائل الإعلام، من أنها ليست المعيار المطلق الذي تأسست عليه الإختيارات، فإذا ما قبلنا بأن يونس بلهندة يمر بحالة عدم إنتظام للأداء لأسباب قاهرة تفوق قدرته لأنها مرتبطة بوضع سياسي وإنساني كارثي تعيشه أوكرانيا موطن نادي دينامو كييف، فهل نقبل أن الحارس أمسيف الحامل للرسمية أسقط من اللائحة لأنه يدمن الجلوس على دكة البدلاء مع ناديه أوغسبورغ بينما نودي على الحارس ياسين بونو الذي يعيش وضعا مماثلا بنادي أتلتيكو مدريد الإسباني وبينما يتواجد في اللائحة الأولية أدم النفاتي الذي يلعب مع رديف نادي ليل الفرنسي، برغم ما يحمله هذا الفتى من طاقات واعدة؟

كنت أتمنى لو أن حسن بنعبيشة الذي قال أنه «لا يخضع للمؤثرات» و»لا يعمل بنظام التحكم عن بعد» و»لا يمكن أن يستشير أحدا لأنه غير قاصر»، كنت أتمنى أن يأخذ المهمة التي قلت أنه قبلها لشجاعته وأريحيته بطبيعتها الخالصة وبمحدداتها الزمنية كما دأب على ذلك مدربون وطنيون بداية من عبد الله السطاتي مرورا بالمرحومين محمد العماري وعبد الله بليندة وانتهاء بجمال فتحي، أي أن يتصرف كما لو أنه سيعمر في المنصب زمنا طويلا مع ما يتطلبه ذلك من تكتم على النوايا ومن إذعان لقوة المعايير ومن هروب عن الجحيم الذي يرمى فيه مدربون وناخبون إذا لم يحسنوا فن القول.

هل بات الأمر بحاجة إلى إطفائي آخر يبرع في إطفاء اللهب الذي إشتد مع ما قاله بنعبيشة؟

هل نحتاج إلى من يرأب هذا الصدع الخطير الذي يحدث اليوم ويهدد مباراة الفريق الوطني الودية أمام الغابون بالسكتة القلبية، فتصبح شرا مستطيرا نحن من قاتلنا من أجل أن تكون بلسما شافيا من سقم كبير ومناسبة للمصالحة ولإسقاط العناكب التي تكاثرت على باب عرين الأسود؟

هل نحن في مأزق؟

الحقيقة الصادمة والموجعة أننا لا نطيق العيش سوى في المآزق.