لو أن الأمر يتعلق بسخافات ونقاش بيزنطي مألوف بين أنصار الغريمين الوداد والرجاء، حيث يرتفع مؤشر التلاسن والتراشق ليتجاوز مدى أشعار النقائض في كثير من الفترات، لكان مقبولا ولصنف ضمن خانة الصراع الأزلي الذي لا يلمعه لا تطبيع ولا اتفاقيات هدنة.
لكن أن يتم استحضار واقعة كروية تعود لأكثر من 40 سنة ولا أحد من أبناء الجيل الحالي عايشها واكتفى فقط بالتقاط الرواية محرفة بالتواتر والسرد لمن كانوا شهودا عليها، من طرف مسؤولين وجعلها مادة أساسية في التحاليل والتصريحات والبلاطوهات، فهذا مؤشر آخر على عمق الإنحدار والتطرف على مستوى الأفكار وحتى الشذوذ عن الصواب والحكمة والعقل الذي أصاب مسيري آخر زمن.
«علاش الكار ما جاش»  هكذا انطلق السؤال ملغوما عبر موقع التواصل الإجتماعي الفيسبوك، وليتكوم بالتدريج ويكبر مثل كرة ثلج ليصبح اليوم مادة للتناظر والتنابز بين مناصري الفريقين وتمتد العدوى لمسؤوليهما.
تقول الرواية التاريخية لـ «الكار» أن الوداد والمغرب الفاسي تواطئا سنة 1971 برسم المباراة الختامية للبطولة على التلاعب بنتيجة المباراة، بأن يتخلف المغرب الفاسي المتصدر يومها  للترتيب وبفارق نقطة عن الكاك عن الحضور للدار البيضاء لملاقاة الوداد، حتى يربح الأخير مباراته ويتفادى الهبوط للقسم الثاني.
ولأن قانونا من كوكب آخر كان معمولا به يومها، فالفريق الذي ينتصر بمباراة ما باعتذار منافسه عن الحضور يربح 4 نقاط وليس 3 كما هو الوضع حاليا.
يومها ارتقى الوداد من الصف ما قبل الأخير وترك مصير الهبوط بين اليوسفية ونادي الجمارك، والمثير أن الماص أضاع اللقب لصالح الكاك.
المؤرخون الذين إنبعثوا من رمادهم حاليا وجلهم  بطبيعة الحال من مناصري الرجاء لأنهم الطرف المعني بفضول النبش في تاريخ الغريم، أرادوا أن يقدموا معلومة للجيل الحالي مفادها أن الوداد كان سيهبط يومها للقسم الثاني لولا الخدمة المقدمة من طرف الماص عبر تقنية» الكار» الذي لم يحضر لـ «كاراج علال»، لكون جل مسيري الوداد يومها كانوا من رجالات فاس.
رد فاس لم يتأخر، حيث خرج الفقيه الهزاز والرئيس بنزاكور وعدد من فعاليات الفريق الفاسي لتدافع عن نصاعة سجل فريق العاصمة العلمية وإبعاد تهمة التواطؤ هاته ولو بأثر ردعي عن فريقه، وقدمت رواية مضادة مفادها أن «الكار» لم يتنقل للدار البيضاء لسبب واحد هو الشعور بالحكرة والظلم الذي تعرض له الفريق قبل مباراة الوداد بحفرة سيدي قاسم أمام فريق الرئيس القوي يومها الدليمي، حيث انتهت مباراة النمور أمام الحفار بـ 11 دقيقة قبل وقتها المحدد، وخلالها سلط الدليمي كما قال الهزاز على جمهور ومسيري الماص «الضفادع والفئران والطوبات» بالمدرجات ولا أحد تدخل لكبح جماح سلطته وجبروته، فما كان إلا حجز «الكار» بفاس ومنعه من الإنطلاق للدارالبيضاء حتى ولو خسر الفريق لقبا، المهم أن لا يخسر كبرياءه.
كل هذا الحفر والنبش في تاريخ البطولة واستحضار شهادة الشهود واستنفار ذاكرة مجايلين الحدث، بماذا تفيد اليوم؟ ولمصلحة من كل هذا الهرج وهذا السجال العقيم المثار بخصوص الموضوع؟
الحكاية وما فيها أن صحوة الوداد الحالية وكونه الفريق الذي يشق طريقا وأخدودا في اتجاه استعادة الدرع واللقب الضائع منه، كان كافيا ليثير أحاسيس الطرف الثاني وتغيير مسار النقاش والمتابعة باتجاه واقعة بالية وعتيقة لا يفيد كشف النقاب عنها في شيء.
أن يسقط مسيرون في كل هذا الهراء والضحالة على مستوى الأفكار وأن يجاروا شبق وفضول فئة أنصار متعصبة، فهذا وحده من يقدم الدليل على أن الأزمة الحالية بالكرة المغربية هي أزمة مسير قبل أي شيء آخر.
الجمهور الكروي المغربي يهمه البحث في التفاصيل، حيث يتوغل الشيطان، يسألون عن الكار وعن حقيقة تدخل فرانكو في إنجازات الريال وسيطرته على أوروبا بالطول والعرض في فترة ما، وعن أشياء كثيرة أغلبها تافه.
مختصر هذه الحكاية هو أن هناك من يريد أن يضع خاتمة لمسار التطبيع بالشفوي بين رئيس الفريقين قبل انطلاق البطولة، ويجدون في الإحتقان والتوتر متعة ما بعدها متعة أمام حكاية «الكار» فما هي إلا حق أريد به أكثر من باطل..