يبكي التونسيون مصيرهم فقد حولوا صحفهم لمرثيات وصفحاتها لحائط مبكى بعد أن استشعروا ظلما قويا ليس من حكم معتوه ومريض إسمه وحده حكاية ويلخص أنه نشاز وسط أصحاب الصافرة «سيشورن راجندرا بارساد»، وإنما من حامي الحكم وولي أمره جهاز الكاف الذي توصل أشقاؤنا التوانسة متأخرين إلى أنه جهاز مسوس وفاسد.
إستحضر التوانسة على سبيل السخرية السوداء التي تبكي الحال والمآل قولة الشاعر الشابي:
«إذا الشعب يوما أراد الحياة == فلا بد أن يستجيب القدر» وحولوها «إذا الكاف يوما أراد النجاح == فلا بد أن يستجيب الحكم»، في واحدة من تجليات الفساد الذي طالما تغنى حياتو بمحاربته.
صحافة تونس ورجال القرار بالكرة التونسية أعلنوا التوحد خلف نسرهم الحزين، ورفعوا شعار «علي وعلى أعدائي وأولهم حياتو»، لتطلق فصول الحرب بانسحاب رئيس الإتحاد التونسي من اللجنة المنظمة للكاف، في مشهد لا يمكن إلا تثمينه واحترامه وتقدير خصلة نصرة الأخ والمنتخب الوطني ظالما أو مظلوما.
المعلق الشهير الشوالي تجرأ ووصف حياتو بالخرف وجهازه بالوسخ، وعلى هديه سار هشام الخلصي الذي قال أن إفريقيا لا تعاني فيروس إيبولا فحسب، وإنما فيروس الكاف وفسادها هو أكبر فيروس يهدد مسارة الكرة بالقارة السمراء، واعترف أنه ما أبكاه في مسار مواكبته للجلد المدور غير حدثين، الأول بعد أن عادت الرجاء بكأس عصبة الأبطال من المنزه أمام الترجي وحرمته من بلوغ مونديال الأندية، والثاني بعد خروج تونس بعد أن اطمأن أبناء قرطاج واهمين أنهم كسروا فعلا عقدة مواجهة أصحاب الأرض.
شعرت فعلا بالأسف لواقعة التضامن التونسي وتوحدهم الكبير وإعلانهم الحرب بلا هوادة ضد الكاف، أيا كانت توابعها وراقني كثيرا موقف فاعلين توانسة داخل الكاف أداروا ظهرهم لمناصب ومواقع يحتلونها داخل هذا الصندوق، لأخذ موقع مغاير بشن غارات متوقعة على حياتو الذي توعد كل لاعبي تونس بالعقاب، لا لشيء سوى لكونهم أطلقوا صرخة بوجه ظلم حكم نائبه السيشلي الرئيس المرتقب للكاف سيكوتو باتيل.
إستحضرت ولو أنه لا قياس مع وجود أكثر من فارق على مستوى البراغماتية والنفعية والذاتية وإيثار المصلحة الفردية، مواقف بعض من رجال القرار هنا بالمغرب حين انقسموا بين مؤيد للوزير المخلوع أوزين ومؤيد له في صراعه مع الكاف..
واستحضرت وأنا أتابع مواقف تونسية لم تتأخر كوليد الجريئ  وشهاب بلخيرية المنسحبان من لجان حيوية داخل الكاف، كيف أن الكاتب العام للكاف المغربي هشام العمراني لم يتأخر في الرد وتدوين موقفه عبر الموقع الرسمي للجهاز الذي يأويه، ووصف موقف رفض احتضان الكان تحت طائل التخوف من إيبولا حق أريد به باطل، وأظهر عدم اقتناعه بالطرح منتصرا لموقف الكاف الذي استبعد منتخب بلاده من المشاركة بالكان.
واستحضرت مواقف سعيد بلخياط الذي تم استبعاده من الشوط الأخير لمفاوضات «الهيلطون» بعد أن حضر مفاوضات ياوندي لأسباب يعرفها سعيد ومن استبعده كيف واصل تموقعه ضمن لجنة على الهام بهذا الجهاز وليس فاعلا بالمكتب التنفيذي ولا صاحب قرار، دون أن يبادر لإعلان انسحابه تضامنا مع مواقف بلاده التي وصفت بكونها جاءت مواكبة لقرارات سيادية.
قد لا تروق للكثيرين هذه المقارنات، لكن هذا هو الواقع الذي لا يرتفع ذلك الواقع الذي يلخص لماذا ظل الكاف يتعامل مع المغرب على الدوام على أنه الحائط القصير والجسر الذي يسهل القفز عليه، بما لمسه في أفراد ومسيرين من أنانية وتغليب جانب المصلحة الذاتية على ما سواها.
لست متفقا مع طرح الطابور الخامس ولا منتصرا لقناعة الخيانة ولا حتى أقبل بهذا التصنيف والوصف، لكن ردة فعل التونسيين على ضربة جزاء غيرت مسار منتخبهم وحرمته من العبور لنصف النهائي، تشعر فعلا بالحزن والإحباط بعد أن تقاعس البعض عن اقتفاء نفس الآثار بالخروج من جهاز يبيت ويصبح على تهديد المغرب بأغلظ العقاب ويتوعده بملايير صريحة غرامة على الإخلال بالعهد.
بغينيا الإستوائية إذن سقطت آخر أوراق التوت عن عورة الكاف التي تؤمن أن الغاية تبرر الوسيلة، حتى ولو كانت هذه الوسيلة صافرة تدوس قيم الفير بلاي لتضمن لحياتو النجاح والتألق..