حدثان لهما دلالاته العميقة، أولهما أن ينعقد المؤتمر الثامن والسبعون للإتحاد الدولي للصحافة الرياضية بباريس عاصمة الأنوار والثقافة والإبداع الإنساني، المدينة التي منها أبصر هذا المنتظم الإعلامي والرياضي النور قبل تسعين سنة بالتمام والكمال، بالنظر إلى أن الإتحاد الدولي للصحافة الرياضية تأسس سنة 1924 بذات القيم والأهداف والمواثيق المهنية والإبداعية التي قامت عليها بعد ذلك بسبع وأربعين سنة الجمعية المغربية للصحافة الرياضية التي أصبح لها منذ ثلاث سنوات عضو داخل اللجنة التنفيذية للإتحاد الدولي ممثلا في الزميل جلال بوزراراة.
أما ثاني الحدثين، فهو أن يحتضن الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر الثامن والسبعين للإتحاد الدولي للصحافة الرياضي متحف اللوفر بباريس، بكل العبق التاريخي والفكري والإبداعي الذي يمثله هذا الفضاء الذي يختصر الكثير من عبقريات الفكر الإنساني قديمه وحديثه، وفي ذلك تكريم حقيقي للصحافة الرياضية التي ينظر إليها هناك بالقارات الأخرى على أنها مصدر إلهام وإبداع، وعلى أنها صوت الحركة الرياضية الذي لا يمكن تلجيمه ولا إخراسه.
وقد أمكن لي من خلال المرات التي حضرت فيها مؤتمرات للإتحاد الدولي للصحافة الرياضية، أن أسجل ما كانت عليه العائلة الإعلامية الرياضية الدولية من إنشغال بالإضطرابات وحتى الإنحرافات التي يوجد عليها المشهد الإعلامي الرياضي في كثير من دول العالم، فإما أن هذا الإعلام الرياضي تصادر حريته وينال من إستقلاليته ويضيق الخناق عليه إلى درجة إعدام هامش النقد والتوجيه، وإما أن هذا الإعلام الرياضي متحامل على نفسه، عامر بالخروقات والتجاوزات وغير قادر على أن ينتصر للمهنية وللمصداقية وأيضا لأخلاقيات الحرفة.
وأجد ونحن نذهب إلى باريس لنحتفل مع كل دول العالم ببلوغ الإتحاد الدولي للصحافة الرياضية سنته التسعين، أن إعلامنا الرياضي الذي كان إلى زمن قريب نقطة ضوء ومصدر بهاء في المشهدين الإعلامي الرياضي عربيا وإفريقيا، أصبح للأسف ساحة للإحتقان وللمزايدة وللتلاسن وللضرب الصريح والعلني من دون أدنى وازع لأدبيات وأخلاقيات المهنة، والذي لم تفد معه للأسف كل البلاغات التي إستصدرتها الجمعية المغربية للصحافة الرياضية على أكثر من صعيد وفي اكثر من مناسبة، والتي هدفت إلى التنبيه لما كان من إنزلاقات ومن تنازلات ومن تضحية بالتماسك المهني قبل الفكري لمواجهة كل صدع يصيب مشهدنا الإعلامي الرياضي.
أبدا لم أكن مسوقا للوهم ولا مروجا لخطاب اليأس ولا مشجعا على التهويل، إلا أنني أجد اليوم وقد تشنجت العلاقة بين زملاء في المهنة وشركاء في نبل الرسالة وشرف المقاصد، أجد وقد نال التشردم من الصحافة الرياضية ما عرى عن ثقوب بات البعض يصوب من خلالها نبالا وقحة لصدر الصحافة الرياضية، أجد أن هناك ضرورة تفرض التنبيه لخطورة المنعرج وإلى ما يمكن أن يترتب عن حالة الإحتقان هاته، عندما ينصرف كل الصحافيين الرياضيين إلى جحورهم ليحتموا بها ويتركوا المشهد الإعلامي الرياضي مرتعا للمتاجرة في القيم ولتخريب الحركة الرياضية وأيضا لنسف الإرث الكبير الذي تركه رواد ناضلوا لحقب من الزمن من أجل أن يعطوا للصحافة الرياضة طابع النبل.
في سياق زمني صعب تعيش خلاله الرياضة الوطنية وكرة القدم على وجه الخصوص حالات من التراجع المهول، وتكون فيه الحاجة ماسة إلى تماسك الإعلام ليكون مساعدا على إجلاء الغمة ومساهما على تحرير المشهد من أثقال اليأس والبؤس، تقفز إلى السطح ممارسات مستهجنة، فإما أن تكون الصحافة الرياضية في كليتها هدفا لغارات يشنها مسيرون وفاعلون من دون تأنيب للضمير محاولة منهم لترهيب صحافيين وتأليب الرأي العام الرياضي ضدهم بينما يعطيهم القانون الحق في تعقب كل ضرر أدبي أو رياضي يصيبهم، وإما أن تكون الصحافة للأسف ساحة للتصادم الذي لا يخدم الإعلام ولا رسالته بأي شكل من الأشكال، بل إنه يكشف عن هشاشات فكرية لن يكون من نتائجها إلا مزيد من استصغار دور الإعلام في بناء المنظومة الرياضية الوطنية بشكل يساعدها على إنتاج الفرح.
نحتاج إلى سلطة الضمير المهني للتخلص من هذا الهجاء الغريب الذي يتنقل كالعدوى المميتة بين أروقة الصحافة الرياضية الوطنية، ونحتاج إلى ما يشد عضدنا الإعلامي بعيدا عن لغط المنتديات ومزايدات من خسروا معركة إثبات ذواتهم في رحاب الصحافة، ونحتاج قبل هذا وذاك إلى رقابة ذاتية ترفع الصحافة الرياضية فوق الرداءة التي يريدها البعض أن تشيع كالفاحشة، ليعمموا جهلهم في صحافة رياضية ستلفظهم عاجلا أم آجلا.
لا تحتاج الجمعية المغربية للصحافة الرياضية ولا من يتحرق ويلتاع مثلها لتنظيف المشهد الإعلامي الرياضي الوطني، إلى التلويح ببلاغات الإدانة لتغيير ما بدا أنه منكر إعلامي لا تنهى عنه للأسف وسائل إعلام بعينها، بل نحتاج إلى حمية جماعية تنتصر بالأساس للقيم المهنية وإلى الوقوف بضمير وقلب واحد من أجل تخليق مشهدنا الصحافي.
..........................................................
وضعت يدي على قلبي والمغرب التطواني يتقدم مترنحا لمباراة الإياب عن تمهيدي عصبة أبطال إفريقيا أمام سيركل باماكو المالي، وقد خرج من مباراته المؤجلة عن البطولة الإحترافبية أمام أولمبيك آسفي يوم الأربعاء الماضي مهزوما وهو من كانت نقاط الفوز الثلاث ستضعه على مقربة من الوداد المتصدر.
كانت هناك إذا حاجة لفوز على أولمبيك آسفي يرمم المعنويات ولا يعبث بالمخزون النفسي قبل البدني، إلا أن المؤجل فرض على المغرب التطواني أن يطوي سريعا صفحة المؤجل الضائع ويمضي قدما للتحضير تكتيكيا وبدنيا لمباراة سيركل باماكو التي تمثل للبطل هدفا لا يمكن التنازل عنه، وقد وجدت أن المغرب التطواني بكل فعالياته بخاصة بلاعبيه وجماهيره، قد تخلص كليا من ترسبات المباراة أما القرش المسفيوي وهو يواجه سركل باماكو، فأنجز للأمانة شوطا مثاليا تقدم فيه بالهدفين اللذين أعادا كل شيء لنقطة الصفر، بل إنه كان قاب قوسين من حسم الأمور بشكل مبكر لو أن محسن ياجور أجاد التعامل مع فرصة الهدف الثالث الأكيدة والتي لاحت من نقطة الجزاء.
وقد كان رائعا أن يتسلح المغرب التطواني كما لم يفعل ذلك في تجربته الإفريقية الأولى قبل سنتين، بالإرادة التي تفل الحديد ليعبر حقيقة عن مقدراته الجماعية ويتوصل في النهاية إلى الصعود للدور الموالي لعصبة ألأبطال الإفريقية بعد أن خانت التجربة النهضة البركانية فسقط عند حاجز الدور الأول مهزوما من أونز كرياتور ومتأثرا بضعف رصيد الخبرة الذي يشجع على حسم الأمور في عقر الدار.