توقعنا للحظة من اللحظة بل توهمنا ونحن نتابع فصول تسليم المهام والشاهد الحضارية والأفلاطونية، بين مصطفى مديح وعزيز العامري والتي مثلت للحظة مفصلية وفارقة على مستوى علاقة الأطر الوطنية فيما بينها، أننا بصدد ترسيخ ثقافة جديدة في علاقة الأطر المغربية فيما بينها، تسبق كل مواثيق الشرف المعلنة وحتى التي هي موضع تشريح في مختبر عبد الحق ماندوزا.
للأسف مثل هذه الحالات والمشاهد لا تعدو وأن تكون استثناء لا يصلح مرجعا، في ممارسة كروية مغربية يسود فيها الضرب تحت الحزام على كل القيم الأخرى.
مثل هذه الصور ومن فرط غيابها وأفولها المطلق محليا، تصبح مثل الظواهر الناذرة والتي تحل فترة وتغيب لفترات، والجميع مدرك للسلخ الذي يميز مشهد المدربين المغاربة فيما بينهم ونهش الجلد الذي يعلو ولا يعلو عليه، وتربص الزميل بالرفيق في انتظار عثرة ليحل محله بعد أن يقدم عرضا بسعر أقل وجودة أكبر للسيد الرئيس.
تابعنا جميعنا فصول الطلاق الموجع بين العامري وأبرون، ووقف الجميع على الحقيقة المؤلمة التي تلخص واقع النفعية و«اللهم أنصر من أصبح» المتحكمة في علاقة المدرب بالمسير والعكس صحيح.
أعتقد الكثيرون أن مشاهد المسلسل الممل الذي عاشه العامري والضغط النفسي الرهيب الذي مورس عليه ما بعد مونديال الأندية كانت كافية، لتضع سطرا أخيرا في كتاب أرادت له أطراف أن يحمل عنوان «المأساة والشوهة».
مؤخرا خرج العامري ببوح صريح حتى دونما أن يطلب منه أحد النبش في دفاتر تجربته الشمالية رفقة المغرب التطواني، قارن العامري الذي لم يعمر لغاية اللحظة أكثر من أسبوعين بالريف بين تجربته الجديدة هته وبين مخاض كله عسر وألم عاشه مع مسؤولي المغرب التطواني، وحين يتحدث عنى مسؤولي هذا الفريق فإنه يقصد رئيسه أبرون ونجليه على اعتبار أن العارفين بخبايا هذا الفريق يدركون سيطرة الأسرة على تفاصيل قيادة شؤون الحمامة البيضاء.
ما قدمه العامري من إفادات لخصت شعوره بالألم وهو يتلقى كمبيالات نهاية الخدمة من دون تحمل رصيدا، كذب كل التقارير التي كانت تشير في السابق إلى أن مقام الرجل بالمغرب التطواني أشبه بالمقام بالفردوس والجنة.
الرجل تكلم من فرط الشعور بالغدر وكما يسميها هو بـ «الحكرة» وطالب رئيسه السابق بتفعيل ما يرفعه شعارا «اعطي للأجير قبل أن يجف عرقه وينشف حلقه».
العامري الذي اختار التحدي الصعب بالحسيمة وقامر في رمشة عين برصيده الذهبي الذي شيده في خريف العمر بالفوز بلقبين غاية في الروعة والإستحقاق، للتنقل لفريق مهدد بالهبوط، عاد ليذكر لعل الذكرى تنفع المؤمنين وبذكاء شديد أنه جرب نفس الدور في فترة سابقة رفقة المغرب التطواني، مع اختلاف أنه يومها تحمل الضغط لوحده بعد أن تركه أبرون وحيدا يقود السفينة وسط الأمواج العاتية بإضراب 14 لاعبا وعدم أداء رواتب آخرين، ومنح قيادة الفريق لـ «كومبارس ودوبلير» قبل أن يلعب دور الحداد الذي يصلح الأعطاب.
الرئيس المنتدب للمغرب التطواني يقول أن الكذب يكون على الأموات وليس الأحياء، لكن من واكب تلك الفترة يدركون أن العامري لم يكذب ولم يضع مساحيق التجميل على مهمة كانت أشبه بقنبلة موقوتة حملها وكان من الممكن أن تنفجر بين يديه وتنهي مسيرته التدريبية وهو الذي ترك الجيش يومها إيمانا بمشروعه.
يومها كان للمغرب التطواني رئيس إسمه الحداد جاء به أبرون ليقف أمام فوهة المدفع، ويومها لما عجز الفريق عن تأمين «غازوال» حافلة نقلته خارج تطوان ويومها كان العامري هو من يتكفل بإصلاح الأعطاب النفسية التي ظلوا يقاومونها ببأس شديد.
وبعدها عاد أبرون في جمع عام إنتهى بانسحاب أرنب السباق ورئيس المرحلة المؤقت، وبعد أن خمدت ثورة اللاعبين المتآمرين كما سماها أبرون يومها وصراعه المثير مع بارونات استهدفوا فريقه، ونيران صديقة كانت قادمة من إف سي تطوان ووجوه أخرى احتوتها سلطات المدينة لأجل مصلحة الفريق وكي تستمر إمبراطورية أبرون في حضورها على رأس الفريق.
صحيح أنه كان بإمكان العامري أن يسلك مسلكا آخر للدفاع عن مواقفه، لكنه وهو الذي جرب المرور من سانية الرمل، كان مدركا بصرخة الألم التي أطلقها أن الحق يؤخذ عادة ولا يعطى.
فتشت في سيرة المغرب التطواني وعلاقته مع المدربين الذين مروا من عارضته التقنية، وهالني أن تكون خاتمة العلاقة مطبوعة دائما بالخلاف والتوتر بخلاف عبارة الترحيب الكلاسيكية لرئيس الفريق حين يوقعون عقد الزواج.
من الناصيري للسكتيوي، ومرورا بيوسف لمريني والفرنسي باتريس نوفو الذي حول شكايته لسفارة بلده مطالبا بـ 100 مليون سنتيم نفقة طلاق دبر لها أبرون حلا دبلوماسيا بعد أن استغل تصريحا للمدرب بغينيا كيفه تكييفا ضده بعد إساءته للمغرب، ثم محمد فاخر وجودار وخاتمة المشهد عزيز العامري.
ما فجره العامري هو سبة على جبين كرة القدم المغربية، بتصويب عياره صوب صدر رئيس فريق يحتل موقعا قياديا بالجامعة ويشرف على حلقة البنية التحتية.