لا يجد المدرب عبد الرحيم طاليب هو الذي أعاده إلى حضن الوداد حلم برجع الصدى، ضيرا في أن يطلق الشكوى من معاقلها ليقول أن ما عجل بخروجه من الوداد مكرها ومجزوعا، مؤامرات حيكت ضده وحملات تبغيض وتحريض نسبها إلى أناس باتوا متخصصين في زرع الفتن، ولو أنه كان محظوظا بأن العطالة لم تستمر يوما واحدا على خروجه من بيت الوداد، بعد أن وافق على تحويل الإتجاه إلى فاس ليشرف على نمور الماص الجريحة.

وقبل طاليب كان الزاكي بادو الذي يحدث إسمه رنينا موسيقيا جميلا في طبلة الأذن قد تحدث يوم أن خرج من الوداد بيت الصبا والشباب، عن تهديد صريح من قبل مجهولين معلومين لكل من يجيدون الإصطياد في المياه المتعفنة، تهديد بالتنكيل بالأسرة، وأعاد الزاكي ذات الشيء وذات الضيق والتبرم عندما عاد ثانية للوداد بعد أن ترك زميله فخرالدين يضع نقطة الخاتمة لملحمة البطولة، فقد ظن أن النفوس الأمارة بالسوء والفتن قد ماتت فإذا بها تأخذ شكلا جديدا ليغادر الزاكي الوداد من جديد وهو يلوم نفسه على أنه لدغ من الجحر عشر مرات.

ولأن الوداد تعيش على صفيح ملتهب وتضع رأسها على فوهة بركان، فقد ذهب البعض ممن تحاول الشرطة اليوم الكشف عن هويتهم إلى حد تهديد رئيس الرجاء محمد بودريقة بالقتل والتصفية وإحراق التركة إن هو لم يكف عن نصب المكائد ونسج المؤامرات ضد الوداد ظنا من هؤلاء أنه يخلي الطريق لرجائه حتى يستمر في حصد الألقاب.

مدربون ومسيرون يتهمون بالخيانة ويطلبون من غير وجه حق للقصاص، منهم من خرج لا يلوي على شيء ومنهم من قرر حقنا للدماء وجبرا لخاطر الأسرة أن يترك الجمل بما حمل ومنهم من لا ترهبه هذه السيناريوهات المستنسخة من أفلام سينمائية بإثارة باردة فقرر أن يرابط في الساحة، وبين كل هؤلاء تندس بعض الجماهير العابثة بالقيم الجمالية لكرة القدم لتكون نغمة نشاز بل لتكون وصمة عار في جبين كرة القدم، ففي وقت هزمت فيه إرادة التخليق والتعبير عن أخلاق المغربي كل جيوش الشغب سواء المصدرة إلى المغرب أو المستنسخة وأصبحت الملاعب تتنظف تدريجيا من العنف، أصبحت الساحات العمومية ميدانا للسلب والنهب والإذاية بأبشع صورها وكثير مما يحدث لا علاقة له بالفعل الإنتقامي ولكن الباعث عليه وجود نواة محرضة على الإجرام عند أشخاص أتحدى أن يكون الشغف هو ما جاء بهم لكرة القدم.

لا أحد يمكن أن يطيق مشهدا كرويا بهذه البشاعة بل لا شيء في هذا المشهد يشجع على الإستثمار، وحتما إذا نحن جزمنا بوجود نوع من المسؤولية المشتركة في وصول المشهد إلى هذه القتامة فإن ذلك سيكون معينا على إيجاد الحل الجذري وأكثر منه على إيجاد المحلول الذي بمقدوره أن ينظف البيت كله، لذلك هناك حاجة ونحن نقف بموازاة كل هذا على حالات أخرى للإختلال التقني والقانوني والهيكلي والتدبيري، أن تكون لنا مقاربة شمولية للإصلاح، مقاربة تبدأ من الترسانة القانونية التي تحدد بدقة المسؤوليات وتقرنها بالمحاسبة الدقيقة تنزيلا لقيم الدستور الجديد وتنطلق إلى كل مجالات الإشتغال لتدقق فيها ولتضع على رأسها الكفاءات التي يصرح ويصادق على أهليتها قانون العلم وليس قانون القرابات والإمتيازات والمصاهرات الحزبية ولتصل إلى تقديم الصورة التي يمكن أن يكون عليها الملعب الرياضي بوصفه مسرحا بداخله نعبر عن أنفسنا وعن مغربنا وحتى عن مشروعنا المجتمعي، ما يعني أن نتفق جميعا لنكون بغاية الحزم من أجل حماية هذا المسرح من كل ما يعرضه للتلف وللإنحراف وللشغب والعنف أيضا.

بالقطع لا يجب في هذا الزمن الحساس والدقيق، الحديت عن منظومة إصلاح كروي باتت تفرضها حالات الوجع التي يعيشها المشهد برمته منفصلة، بل الأمر يقتضي أن تكون هناك مقاربة شمولية تشترك فيها كل القوى الوازنة والمؤثرة التأثير المباشر في كرة القدم، حكومية كانت أم مدنية، تشريعية أم تنفيذية.

إن الهدف الأسمى من هذا التحرك الجماعي أيا إخترنا له من المسميات هو أن نصل إلى وضع تصور كامل لكرة القدم متطابقة ومتماسكة وملقحة تستطيع أن تكون عربة تجر كل قاطرات الرياضة الوطنية وتستطيع أن تكون كما يريد ذلك المغرب الجديد رافعة من رافعات التنمية، تنمية الأفراد وتنمية القيم وتنمية الشعور بالولاء للوطن.

إننا إذا ما واصلنا العلاج الجزئي واستمرينا في تقطيع الإصلاح بحسب الحاجة والظروف الطارئة فحتما سنعيش على الدوام في ثوب الإطفائي لا نعمل إلا على إخماد الحرائق التي ما إن ينطفئ الواحد منها حتى يندلع الآخر.