ذات وقت إستغربت أن تكون حالة من الإحتباس الفني قد أصابت نادي ريال مدريد أياما فقط بعد عودته من مراكش متوجا بلقب بطل أبطال أندية العالم، فما إن حلت سنة 2015 وانتهت العطلة الشتوية حتى كشف النادي الملكي عن وشاح تكتيكي شاحب يخفي كل الملامح التقنية الجميلة التي قدم بها نفسه سنة 2014، فاستحق على ذلك ألقاب أربعة أرفعها وأثمنها وأغلاها كأسه الأوروبية العاشرة.
كان لا بد أن نفهم بأن حالة من التتاؤب تصيب أي فريق، وأن الآلة مهما أتقنت عملها ودارت بدرجة جنونية فإنها لا بد وأن تتعطل ذات وقت، فقد كان لزاما أن يدوم هذا الرشح التقني الذي أصاب ريال مدريد لشهرين كاملين ليضيع من بين يديه كأس الملك وليتنازل كرها عن نقاط غالية كانت لتضعه في منأى عن غريمه الأزلي برشلونة، ومع ذلك قوي اللغط والإحتجاج وعلت أصوات التنديد في المدرجات لكن الفريق ظل صامدا لا تهزه رياح العثرات ولا تنال منه السقطات الفجائية.
ذات الصورة بدا عليها فريق الرجاء مع فوارق في فهم منطقية الدخول الحتمي في مراحل فراغ يصعب معها أي قياس، ذات وقت تخلى الرجاء عن نسقه التقني الذي صعد به عاليا، تخلى عنه كرها بالطبع للضرورات الفنية التي تحدثت عنها، إلا أنه إستنزف الكثير من الوقت في استرداد النسق التكتيكي المفقود، فكان من نتيجة ذلك أن فرط في كثير من النقاط ليدخل اليوم الديربي الثامن عشر بعد المائة والفوز فيه لا يمنحه إلا فرصا ضئيلة في المنافسة على لقب البطولة، برغم أن هناك من يعتبر لتطرف عاطفي أن الفوز على الوداد تحديدا هو لقب في حد ذاته.
ولأنه الديربي الذي يتمرد في العادة على الأرقام وعلى المعطيات اللحظية ويغدق على اللقاء الكثير من الحوافز النفسية، فإن الرجاء ينظر إليه على أنه لقاء إستثنائي، إن لم يعد الفوز فيه فتح الأبواب المؤدية للقب البطولة والتي أغلقت كثير منها بسبب ما كان من حصائل رقمية ضعيفة، فإنه سيمنح النسور جرعات معنوية تقوي من العزيمة وتعيد الثقة التي إهتزت بالقدرات وتضعهم في أفضل طريق لمباشرة الرهان القوي والثقيل، رهان عصبة الأبطال الإفريقية.
في الواجهة الأخرى للحلم مجسم مختلف، فالوداد لا ينظر فقط للديربي على أنه تكليف باسم التاريخ لربح جولة أخرى أمام الغريم الرجاء، ولكنه ينظر إليه على أنه واحد من البوابات المطلة على اللقب الذي تظن جماهير الوداد على أنه سيكون مأساة حقيقية لو لم يدخل خزانة الفريق الأحمر، وهو الذي تمرد عليه لأربعة مواسم كاملة عندما زار مرتين الرجاء والمغرب التطواني.
ومهما حاول المدربان روماو وتوشاك واللاعبون الخضر والحمر خدعنا بأن المباراة لا تمثل لهم جميعا حالة تقنية وتكتيكية وحتى نفسية لا تمت بصلة لما عداها من الحالات التي تنتاب مباريات أخرى، إلا أن ما نشاهده في العادة مجسدا على أرضية الملعب من عروض تكتيكية دالة على الإختناق الذي يصادر كل الحالات الإبداعية الفريدة يقول بأن للديربي حمولات نفسية رهيبة تحتاج إلى لاعبين على درجة عالية من المهارات لكسر الحواجز المنصوبة وإلى مدربين لهم خبرة بمثل هذه المواقع الكروية التي تغيب ذاكرة الإبداع.
صحيح أن الحاجة الماسة إلى الفوز ستجعل من الوداد الراغب في التقدم حثيثا نحو التتويج، الفريق الأكثر طمعا في النقاط الثلاث، وهو ما سيبرزه أسلوب معالجته تكتيكيا للمباراة، إلا أن الرجاء يريد لهذا النزال أن يكرس تعافيه الكامل من كل الإضطرابات التكتيكية التي ضيعت نقاطا واستنفرت غضب الجماهير وأورثت حالة من الإحتقان التي كادت تعصف بمشروع بودريقة كاملا.
نثق إذا في درجة الإلهام التي أصبحت عليها جماهير الرجاء والوداد لتهدينا مجددا يوم السبت لوحة كاليغرافية جديدة، ونثق أيضا في قدرة الملكات الفردية للفريقين معا لكي تعطينا في النهاية صورة من الديربي الإحتفالي والجمالي الذي نحلم به.