لا أحد يمكن أن ينكر على الوداد أحقيته الكاملة في أن يكون بطلا لرابع نسخ البطولة الإحترافية، وليس بمقدور أي كان أن يزايد في درجة الإستحقاق العالية التي نالها فرسان الوداد بقبضهم بصورة ترفع كل تشكيك في القدرات على اللقب، فالدلائل متى توفرت بالشكل الذي يقدمه موسم الوداد الهلامي والتي يمكن أن نقرأها الواحد بعد الآخر بلا إلتباس، متى كان منطقيا القول بأن جلباب البطل جاء على مقاس الوداد البيضاوي عطفا على كل البذرات الفنية والتكتيكية والنفسية التي كشف عنها الفرسان الحمر، فقد خرج الوداد للأمانة من خيمة التحضير لهذا الموسم مستويا ومتحفزا وجسورا لكي يروي ما كان به من ظمأ وليشبع ما كان به من نهم ويحقق بروح إنتصارية للجماهير الحمراء الفرحة التي إفتقدتها في آخر أربعة مواسم.
كانت العلامة الكاشفة الأولى على وجود نواة البطولية في الفريق الأحمر، أن الصدع الذي كان بين الرئيس السابق عبد الإله أكرم وجماهير الوداد وأحالنا على فصول من المشاحنات والملاسنات التي أدت إلى قطائع، قد تم رأبه بطريقة ذكية عندما جاء سعيد الناصيري متسلحا بنظرية الإستمرارية في ظل التغيير، فأفرغ على العمل شحنات عاطفية أكسبته عطف وود الجماهير فاحتشدت بالآلاف وراء الفريق في مشاهد ملحمية قل نظيرها.
وكانت العلامة الكاشفة الثانية هي درجة التوفيق الكبيرة التي حالفت إرتباط الناصيري بالمدرب الويلزي توشاك، فلنجاح الوداد نصيب وافر مما أفرغه هذا الرجل المثقل بالتجارب على اللاعبين من جرأة في التدبير الفني والتكتيكي لملكات اللاعبين ولتعاقب المباريات باختلاف أجناسها التقنية ومن رصانة في توجيه الضغط بكل حمولاته ليكون محفزا للاعبين لا قاصما لظهورهم، برغم أن لا أحد بيننا لم يترك علامة تعجب واستغراب إلا وأتى بها عند إرتباط الوداد بتوشاك، فمن قال أن الرجل شاخ وضاقت مساحات الخلق عنده ومن قال إنه برغم رصيده التدريبي الكبير إلا أنه جاهل كليا لتضاريس الكرة المغربية الوعرة، ومن قال أن الوداد منح الويلزي فرصة للإستجمام والتمتع بشمس لا تغيب عن المغرب لثلثي أيام السنة.
وكانت العلامة الكاشفة الثالثة أن الناصيري وفق لأبعد حد في تصميم الصفقات التي أتت بلاعبين يثبت التشريح الفني للموسم أنهم كانوا أصحاب إضافات قوية ومؤثرة، إلا من إستثناءات قليلة جدا لا يجوز الحكم عليها.
وكانت العلامة الكاشفة الرابعة هذا التجاوب الأسطوري الذي بات اليوم مرجعية عالمية بين الوداد وجماهيرها، فما مرت مباراة داخل الدار البيضاء وخارجها إلا ووجدنا جماهير الوداد بالآلاف تحمي ظهر اللاعبين وتحفزهم ولا تلقي أبدا باللائمة عليهم متى مروا كما هو حال كل اللاعبين في العالم من مراحل فراغ.
لذلك لم يكن الفوز بالثلاثة في أكادير على الحسنية في مشهد يرفع الرأس ويعلي الهامة ويبعث على الفخر، سوى مؤشر من مؤشرات كثيرة على أن ما جناه الوداد وما حصده، لم يكن إلا ما زرعه بالإيمان وسقاه بالعمل وظلل عليه بالصبر، لم ينتظر الوداد في أي وقت من الأوقات وطوال المسير الصعب والعسير في أحراش البطولة خدمة من أي طرف آخر، فقد إعتمد على نفسه لكي يرفع درع البطولة دليلا على أنه بطلا كامل الأوصاف.