لم تنفع كل الفضائح المتفجرة في سماء زيوريخ سواء تلك التي جاءت بتلقائية أو تلك التي تمت برمجتها عن بعد لتحيل كرة القدم إلى لعبة مشبوهة والفيفا إلى مؤسسة سيئة السمعة، ولم تفلح في زعزعة المنتظم الكروي العالمي وقد أخذ قرارا بتمكين العجوز جوزيف بلاتير من ولاية خامسة على رأس الفيفا، إنحناءا أمام رغبة السويسري الذي كان قد نقض عهدا قطعه على نفسه سنة 2011 بأن تكون الولاية الرابعة هي الأخيرة له على رأس الفيفا.
ظن الكثيرون أن إنتشار الغازات المسيلة للدموع والفضائح التي أطلقت على هامش كونغرس الفيفا والكم الكبير من الملاحقات الجنائية الصادرة عن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي في حق صقور عملوا بشكل أو بآخر تحت إمرة بلاتير وانتسبوا للفيفا، سيدفع عائلة كرة القدم للإحجام عن تقديم البيعة لبلاتر الذي لا يمكن لأي كان أن ينفي عنه مسؤولية ما حدث من تجاوزات ومن فساد ومن فضائح، إلا أن ما حدث أن بلاتير الذي ما شعر أبدا بوخز الضمير، تصلب في مكانه ولم يأبه بما كان من تحرشات ومن إقرار بالفساد المستشري داخل المؤسسة التي عمل بها كاتبا عاما لعقود قبل أن يصبح رئيسا لها منذ سنة 1998، وكان من نتيجة المسرحية التي قدمت للعالم على أنها آخر صرعات الديموقراطية، أن بلاتير تقدم على الأمير علي بن الحسين المساند بقوة من الإتحاد الأوروبي لكرة القدم بستين صوتا ولكن من دون الحصول على ثلثي أصوات الجمعية العمومية في الدور الأول كما تنص على ذلك اللوائح، فكان اللجوء لجولة ثانية وحاسمة فضل الأمير علي بن الحسين التنحي عنها تماما كما فعل السويدي رينات يوهانسن قبل 17 سنة لما واجه بلاتير وكان يومها رئيسا للإتحاد الأوروبي لكرة القدم. 
وكان دالا على حالة الإحتقان الموجودة داخل الفيفا والأعطاب الأخلاقية الكثيرة أن بلاتير خصص خطابه للجمعية العمومية وهي تمكنه كما أراد من ولاية خامسة، للحديث عن مشروع التخليق ودفع الضرر الذي لحق بالفيفا وإستعادة الثقة المفقودة عند بعض الرعاة، مع أنني شاعر بجسامة وخطورة المرحلة القادمة، فإما أن ينجح بلاتير في رأب الصدع وفي مساعدة القضاء على إسقاط كل رموز الفساد وتنظيف الفيفا مما لطخها من شوائب أخلاقية ويصالح أوروبا الساخطة وعندها يمكن أن يكمل الولاية الخامسة بأخف الأضرار، وإما أن يتصلب ويعاند ويستمر في التستر على الضالعين في الفساد وفي مزيد من التحرش بالأوروبيين ويكون أكثر عرضة لحجب الثقة، لأن المؤكد أن ما بدأته المكاتب القضائية بالولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا لن تقف عند هذا الحد الذي بلغته اليوم، فستسقط رؤوس آخرى وتتكشف حقائق صادمة ويزداد يقيننا بأن المؤسسة التي تباهى بأنها أكثر كونية والأغنى والأكثر قدرة على مواجهة الأزمات التي تضرب الإقتصاد العالمي بين الحين والحين، هي عبارة عن تفاحة متعفنة.
كنت موقنا أن الأمير علي بن الحسين كما هو حال كل من وقفوا في صف المواجهة أمام بلاتير، لن ينجح في إنزال الثعلب من عرشه، فقد كان السويسري ناجحا في اختيار الخرسانات الإسمنتية التي تحول دون تسرب المياه من جحره المنيع، كما هو بارع في اختيار أشخاص يقومون بأدوار إنتحارية ينجحون في أدائها وبعد ذلك لا يهم إن كانوا قد ذهبوا إلى الجحيم، إلا أنني أعود وأثني على الأمير علي كونه كان شجاعا وجريئا في الوقوف على خط الجبهة متحديا المناصب والإعصارات دفاعا عن حرمة كرة القدم، فقد كان محزنا بل ومقرفا أن يؤسس الملايين من اللاعبين حول العالم لكونية وجماهيرية وجمالية كرة القدم بكل ما أوتوا من مواهب وإبداعات، ويأتي شرذمة من الأشخاص للمتاجرة بأسوإ صورة في هذا العرق النقي الذي يسيل كالوديان حول العالم من دون وخز للضمير ومن دون مساءلة قانونية.
ناضل الأمير علي من أجل فيفا نظيفة وشفافة وذات مصداقية، حارب على كل الواجهات من أجل إستعادة الثقة المفقودة والنقاء المجهض، وإن فشل في إسقاط بلاتير من رئاسة الفيفا، فإنه نجح في إيصال رسالة قوية للضمير العالمي.
اللهم أنه قد بلغ.