بلغ ماسيمو أليغري ما بلغ من الجرأة ووصل إلى وصل إليه من سقف للخلق والإبداع ليتمكن من إرسال غمام إلى ملعب برلين عله يحجب شمس ونيازك برشلونة وليوقف نبض التاريخ بأن يعلن ملكا على عرش عصبة ألبطال الأوروبية هو من دخل النهائي مجردا من كل الحظوظ للقبض على النجمة الأوروبية لتكون الثالثة في خزانة السيدة العجوز، إلا أنه في النهاية رفع مكرها الراية البيضاء ووقع على شهادة اندحار الحلم، ففي تلك الليلة لم يكن بمقدور إيطاليا قهر المستحيل.
لو كانت برشلونة باقية على عهد التيكي تاكا التي صممها بيب غوارديولا بتوجيه وضبط ورعاية من فيلسوف المنظومات التكتيكية يوهان كرويف، لقلنا أن لأليغري كل الحق في أن يسأل عن حظوظه، وفي أن يفتش في كل الزوايا حتى المعتمة منها عله يعثر على كلمة السر التي تفتح باب المجد، ولكن برشلونة التي أبدعها لويس إنريكي بحاجة ماسة لإنقاذ التيكي تاكا من الموت الزؤام كانت مختلفة، إنها برشلونة بوجهين كلاهما مرعب ومتجهم وعصي على كل وسائل التعرية، وجه بوحشية اللبؤات والفهود، يتربص به برشلونة بالمنافس في منطقته، يحاصره ويضيق عليه الخناق وعندما تحين اللحظة ويتعب المنافس من الهروب والتملص ينقض عليه ويفتك به، ووجه بمكر الثعالب، يتراجع معه برشلونة إلى منطقته متحايلا وموهما منافسه على أنه منهك وخنوع، فيطلق المرتد مثل الشارات الحارقة فتكون الضربة موجعة، ولو عدنا لشريط المباراة لوجدنا أن برشلونة ما نجح في إخضاع السيدة العجوز والنيل منها إلا لأنه أبرز في اللحظات المثالية الوجهين معا بكثير من الحرفية والدقة والنجاعة العالية التي تحتاجها مباريات من هذا العيار.
كان الخيار الأوحد لماسيمو أليغري وهو يصاقر منافسا يتفوق عليه في الخامات الفردية وفي التوليفة التي يملكها على مستوى خط الهجوم بوجود ثالوث بلغ مستوى عاليا من التخاطب التكتيكي، بالكرة ومن دون كرة، في المساحات الشاغرة أو حتى في المساحات المخنوقة بغبار الرقابة، هو أن يصل الخطوط فيما بينها فلا يبقي شرخا ولا ثقبا منه قد تمر المياه جارفة فتغرق الأسطول بالكامل، وكان ذلك يحتاج إلى لغة خطاب موحدة تتحرك بهذه الخطوط وهي ثلاثة بشكل متناسق، فلا تبقيها في منطقتها الخلفية عرضة لقصف برشلونة ولا تتقدم بها بتهور فتترك مساحات بحجم يسمح للثلاثي ميسي ونايمار وسواريز لممارسة هوايته في ضرب الموقع.
وكان مربكا أن يتأخر اليوفي من البداية بهدف دل على المهارة المكتسبة للاعبي برشلونة للنفاذ ولو من خرم الإبرة، فقد شاهدنا كيف تحركت الكرة عبر مثلثات ليكون من سجل هو راكيتيتش رجل الإرتكاز في وسط ميدان برشلونة، وقد كان هذا القصف المبكر بمثابة اختبار صريح لجوفنتوس ولمدربه أليغري، فقد كان ضروريا أن يصمد البيانكوري أمام كثافة ضغط برشلونة الذي له تقدير في زمن المباراة، وعندما إنتهى بوضع برشلونة للوجه الثاني الذي قلت أنه بمكر الثعالب، كان لا بد وأن نقيس الدرجة التي سيكون بها وعليها البناء الهجومي لليوفي الذي أنهى الجولة الأولى بانتعاشة على مستوى الأداء من دون أن يكون لذلك انعكاس على مستوى النتيجة.
ونتيجة لما نجح فيه جوفنتوس عندما دفع برشلونة تدريجيا إلى العودة لمنطقته مدافعا، وهو الأمر الذي لا يجيده بشكل كامل، بدليل ما إرتكبه من أخطاء عند تشتيت الكرة جراء ما يمارس على مدافعيه من ضغط، فإن وجه المباراة سيتغير بـ 360 درجة، وسيعطينا اليوفي اليقين أن ما إعتقدناه جازمين من أن المباراة دانت بالولاء الكامل لبرشلونة بعد هدف راكيتيتش، هو تقدير مغالى فيه، لأن السيدة العجوز ستقدم فاصلا كرويا جميلا في النصف الأول من الجولة الثانية، سجلت فيه هدف التعادل بقدم موراطا وكانت قريبة من حسم المباراة في أوقات متعددة، ليس هذا فقط ولكنها تحت إغراء ما أحكمته من سيطرة وما قدمه برشلونة من إعتقاد بأنه إستكان في منطقته، ستقع في الفخ وستترك مساحات فارغة نتيجة التحرك عموديا بالخطوط الثلاثة ليعمد برشلونة إلى سلاح المرتد السريع، وعندما يملك فريق ثلاثة رماح حارقة هي ميسي ونايمار وسواريز فلا يمكنك إلا أن تنتظر اللهب الذي يحرق بيت المنافس، ومن هذه المرتدات الخاطفة إستعاد برشلونة تقدمه بهدف لسواريز ثم كتب شهادة الوفاة للسيدة العجوز بقدم البرازيلي نايمار.
لا أستطيع الجزم بأننا كنا أمام النهائي الذي تمنيناه جميعا، لوجود فوارق تنتفي معها القياسات الجالبة للمتعة وللإثارة ولاختلاف كبير لمنظومات اللعب، إلا أننا كنا أمام دلائل تدعم أمرين إثنينن، أول الأمرين هو أن جوفنتوس أشرت على عودة لطالما إنتظرتها كرة القدم الأوروبية، عودة الكرة الإيطالية بما تحبل به من إبداعات ومن محفزات على تطوير المبنى التكتيكي، بخاصة وأن السنوات الأخيرة شهدت منذ تتويج الإنتر باللقب الأوروبي شبه أفول للمدرسة الإيطالية، أمام الأمر الثاني فهو أن برشلونة كانت تحمل جنينيا مناعة ضد أي إنهيار مجاني لمنظومة كروية أبدعتها فأبدعت معها خوارق بشرية، فقد كان من الخطأ فعلا أن نبيع جلد برشلونة وفيها لاعب خارق مثل ميسي.
لقد أكدت ثلاثية الموسم أن لويس أنريكي جلب لبرشلونة المضاد التكتيكي الذي يبطل كل ما يصيب هوية اللعب من تقرح ومن سقم.