نأخذ بما شئتم من الإعتبارات ونتذرع بما هو متاح من أعذار وهي كثيرة، منها أننا في نهاية موسم كروي يترك الكثير من العلامات السلبية على ذهن وعضلات اللاعبين، ومنها أن النواة الصلبة للمنتخب الوطني التي قلنا أنها ربحت مسافات كثيرة على درب كسب الهوية ضربت بفعل غيابات وازنة (نبيل درار وامبارك بوصوفة حتى لا أذكر إلا هذين اللاعبين)، إلا أنني لا أستطيع أن أخفي وجود الكثير من دوائر الخوف والخطر والـمنتخب الوطني يتكبد كل هذه الـمشاق التكتيكية والبدنية لكي يتوصل إلى هزم منتخب ليبي بهدف عمر القادوري، منتخب ليبي فاقد للتنافسية ومفتقد للطراوة البدنية بدليل ما شاهدناه من سقوط لكثير من لاعبيه نتيجة التشجنات العضلية.
قد يكون عزاؤنا الوحيد من هذه الـمباراة أن الـمنتخب الوطني فاز وربح النقاط الثلاث الأولى، أما عدا ذلك فيمكن أن نتحير من الذي شاهدناه من رتابة في الأداء ومن بطئ في الإيقاع ومن قصور في التخيل والخلق في غياب كثافة هجومية وفي غياب قدرة جماعية على إبداع الحلول.
نستطيع أن نفهم أن الـمباراة جاءت في سياق زمني عصيب، واللاعبون خارجون للتو من موسم طويل ومضغوط ترك الكثير من الندوب على ذهنيتهم واستنزف الكثير والكثير من مخزونهم البدني، إلا أنني لم أفهم كيف ضاعت كل الـملامح الفنية والتكتيكية التي ظهرت في آخر مباراة إعدادية أمام الأوروغواي وكانت لنا جميعا مصدر ثقة وتفاؤل.
سعى الزاكي هذه الـمرة للعب بمحورين هجوميين عله يضغط بشكل كبير على الـمنتخب الليبي ويستثمر ما سيظهر من ضعف مبرر على بناء عمقه الدفاعي، إلا أن الأمر لم يثمر أداء هجوميا متوازنا بدليل أن لا حمد الله ولا ياجور وخلفهما في الإمداد أمرابط والقادوري لم يقدما الكثافة الهجومية التي تحتاجها مثل هذه الـمباراة وأمام منافس من طينة الـمنتخب الليبي الذي كان يعرف مسبقا أنه لن يقدر على الـمعارك الضارية في وسط الـملعب ففضل الإنغلاق بمستويات معينة في منطقته، لا يجازف ولا يمارس لعبة الإرتداد والإنطلاق خوفا من تعريض الـمخزون البدني الضعيف للإستنزاف والهدر الكاملين، والنتيجة أننا شاهدنا فريقا وطنيا مغربيا متهورا في الجولة الأولى يلعب بإيقاع بطيء، لا يضع الدفاع الليبي تحت الضغط ولا يبرز دقة في بناء الـترابطات ولا يقدر على إنتاج الكثير من الحلول على مستوى الهجوم، بل إن دفاعه تحت ضغط خفيف يرتبك في إخراج الكرات، وقد كنت أتصور كارثية الحصيلة لو تعلق الأمر بمنافس آخر أكثر جسارة من الـمنتخب الليبي وأكثر قدرة على مجاراة الإيقاع.
وكان من نتيجة هذا الأداء الجماعي الضعيف أن الـمنتخب الوطني أنهى جولته الأولى متعادلا بلا أهداف كدلالة على غياب الحلول وافتقار اللاعبين لـمرتكزات الخلق، وكان واضحا أن غياب لاعب في قيمة امبارك بوصوفة بقدرته على الخلق وعلى إنتاج الحلول الصعبة أثر على منظومة اللعب بكاملها.
ومن حسن حظ الـمنتخب الوطني أن لاعبي الـمنتخب الليبي تعرضوا لـما يشبه الإفلاس البدني، فنجحوا من إختراق جانبي في توقيع هدف الخلاص الذي كان ضروريا إتباعه بأهداف أخرى نتيجة ما تكالب على فرسان الـمتوسط من غارات بدنية أسقطتهم خلال هذه الجولة مثل أوراق الشجر.
يخيفني ما كان من أداء حتى لو أخذنا بكل الأعذار الـممكنة، ويقلقني أن الـمنتخب الوطني وإن كان قد خرج من هذه الـمباراة فائزا أنه لم ينجح في الفوز بالحصة العريضة التي كانت متاحة ليقوي بها نسبته الخاصة والتي قد تكون ذات وقت ضرورية لحسم أي موقف محتمل.
من الطبيعي أن ننظر بتفاؤل للمستقبل، ولكننا نأمل أيضا أن تكون هذه الـمباراة بكل الصورة الـمبتذلة التي أبرزتها وعرت عنها، محفزا على مضاعفة العمل على أكثر من صعيد، فما شاهدناه من منتخبنا الوطني أمام الثوار يشعل فينا النار ويرمي في وجهنا كل الأخطار، من دون أن ننسى تهنئة جمهور أدرار فقد كان فعلا هو نجم الـمباراة الأول.