ما يحدث اليوم مع محمد بودريقة وهو يشهر قرار التنحي عن رئاسة الرجاء، هو الذي ظن أن الربيع مع الأخضر سيستمر لزمن طويل، وما يأتينا تباعا من مراكش عن تصميم كبير لفؤاد الورزازي بعدم الخوض مجددا في هموم قيادة الكوكب، يزيدني يقينا أن مشهدنا الكروي مصاب للأسف بهشاشة لا يكون معها ممكنا السير بسرعة كبيرة من أجل إحلال التقاليد الإحترافية، وهي هشاشة مفضية إلى عجز محتمل سيكون معه من الصعب أن ننأى بكرة القدم عن الخرائب التي تصيبها بين الحين والآخر فتعطل كل قدرة على إستشراف الأفق الرحب.
لا خلاف على أن هذه الهشاشة التي تنهش الفكر والبيئة الكرويتين مصدرها الأول أن كرة القدم لم تتمتع قانونا بكل المحصنات من كل أسباب التسوس، ومصدرها الثاني أن منظومة العلاقة بين مكونات العائلة الكروية بها الكثير من الإنفصامات والتشوهات، ومصدرها الثالث أن ما ساد ذات وقت من نزول لعدد من المسيرين بالـمظلات السياسية على الخصوص وتحصنهم في بروج مشيدة لهذا الغرض أورث حالة من الإحتقان، فلا أحد يمكن أن يلوم مناصرا لهذا الفريق أو ذاك شعر فعلا أن فريقه اغتصب منه وأصبح ضيعة مملوكة.
يلتقي محمد بودريقة وفؤاد الورزازي في أنهما جاءا إلى الرجاء والكوكب على أنقاض ثورة نمطية أطاحت بنوعية تدبير لا أحد يمكن أن يجزم بخوائها وإن كان الإتفاق على أنها بلغت درجة كبيرة من الإستنزاف، كلا الرجلين جاء ببرنامج عمل وبمقاربة حديثة وبسقف طموح، واشتغل كل في محيطه الهائج يحاول قدر الإمكان أن يعقلن العمل ويلجم الجري الـمقيت وراء النتائج الفورية، إلا أنهما يصلان اليوم برغم اختلاف الـمحيط إلى قناعة جازمة بالرحيل، والمحزن في الأمر أن الرجلين معا يحشران في زمرة الـمسيرين الذين يملكون الـمعطف الرياضي والخامة الفكرية التي تسمح بتوظيفهم في هذا السياق الزمني الصعب الذي يمر منه الإحتراف إن على مستوى الجامعة أو على مستوى العصبة الإحترافية.
بدا للجميع أن بودريقة وهو يرمي من الوقت إلى الآخر بورقة الخروج من مركز القيادة، كأنه يناور أو كأنه يوجد لنفسه أغطية يتلحف بها يوم تسوء النتائج وتثور ثائرة الـمناصرين والرجاء يخرج خاوي الوفاض من موسمه، وكذا كان الشأن بالنسبة لفؤاد الورزازي الذي كان بين الفينة والأخرى يصرح ولا يلمح بوجود طبقة متفجرة من تحت الكوكب زرعها من لا يعجبهم العجب في رجب.
والحقيقة أن الورزازي وبودريقة ما أشهرا قرار الرحيل المبرمج الذي قد لا تنفع معه كل «الـمزاوكات» والدعوات الصادقة بعدم الإستماع إلى نداء العقل، إلا لأنهما لا يشعران بأي قوة مصلحية تدفعهما إلى الصبر على المؤامرات والنوائب والحملات الممنهجة لتخريب الـمركب، لتكون نتيجة هذا الوضع الشاذ أن من يأتي لإدارة أندية مرجعية ومؤثرة في الـمشهد الكروي الوطني محمولا على شغف أولا وعلى برنامج طموح ثانيا وعلى نية خالصة في إنجاح فترة رئاسته للأندية من دون التشوف لأي هدف آخر، لا يضغط على نفسه كثيرا كلما ساءت العلاقة مع الـمحيط، فيقرر الرحيل وبذلك نكون أمام تصفية معلنة وآثمة لكثير من الطاقات التي تأتي لكرة القدم للإرتقاء به، ولا يبقى إلا الـمحصنون بالجلابيب السياسية.
من حق بودريقة والورزازي أن يعلنا رحيلهما عن الرجاء والكوكب، فالإنسان فوق طاقته لا يلام ولا يسأل إنتحارا، ولكن هل سأل أحدنا عن الحصانة القانونية التي يجب أن يمتع بها رؤساء الأندية بخاصة أولئك الذين يأتون للأندية محمولين فوق هودج وبعد أشهر تصوب إلى قلوبهم الرماح وتشهر في وجوههم إعتباطا ونكاية عبارة «إرحل»..
لا بد وأن نعيد النظر في الآليات القانونية التي تأتي بهذا الشخص أو ذاك لرئاسة هذا النادي أو ذاك، والقصد هو أن إختصار الآلاف من الـمناصرين للفريق في بضع منخرطين أمر لا يمت بصلة للديموقراطية، فعندما يجمع الآلاف من الرجاويين على ضرورة أن يبقى بودريقة رئيسا للرجاء فلا بد أن تكون هناك آلية غير التيفوات للنطق بهذا القرار أو التعبير عن هذه الرغبة، وهذه الآلية لا بد من إبداعها بشكل يتطابق مع حقائقنا وواقعنا الرياضي.
كنت دائما ما أعتب على الأندية الكبيرة بقاعدتها الجماهيرية أن تختصر التاريخ والـمرجعية والنفوذ في بضعة منخرطين، منهم من يسخر لهذا الفريق أو ذاك إلا لـمصلحة النادي، ومنهم الـمعطلون فكريا ومنهم الـمهمشون ومنهم من لا يسمع لهم صوت وإن نطقوا أخرستهم الأغلبية، واليوم العتب كل العتب على هذه النظم القانونية التي لا تجعلنا نتبين حقيقة ما إذا كانت جماهير الرجاء والكوكب غير راغبة في أن يبقى بودريقة والورزازي على رأس هذين الناديين.
لا حاجة لنتكهن أن ما يفعله الورزازي وبودريقة هو من أجل التعويم أو من أجل طلب الـمبايعة الجديدة، فهناك بالفعل حاجة لأن نتعامل مع هذا الذي يأتي في صورة عزوف وضجر وهروب إلى الأمام بالحكمة اللازمة لأن كرة القدم والأندية على وجه الخصوص ستكون إن بقي الحال كما هو معرضة لـمزيد من الإستنزاف ولـمزيد من تهجير الثروات البشرية.