بلا أدنى تردد ولا أدنى وازع تقني سارع البعض إلى عقد مقارنات بين الفوز القيصري والصعب الذي حققه أسود الأطلس على ثوار ليبيا يوم الجمعة قبل الماضي عن أولى جولات تصفيات كأس إفريقيا للأمم 2017، وبين الفوز الإستعراضي والكبير الذي سجله المنتخب الوطني المحلي على ذات المنافس، بل إن منهم من تهور في ربط المقارنات لينتهي إلى خلاصات مستفزة لا تقوم أصلا على منطق وبالتالي لا يمكن الأخذ بها عندما يسوء وضع المحصلات.
البعض حاول أن ينقل هذا السؤال الماكر للمدرب الإسباني خافيير كليمنتي لعله يأخذ منه ما يحصن مشروع النيل من هذا المنتخب الوطني أو ذاك، إلا أنه حصل على الإجابة التي تعطل كل خبث يمكن أن تصاغ به المقارنات، فكليمنتي أبقى على كل الإحترام لقدرات وممكنات المنتخب الوطني الأول، وما أظنه كان سيفعل غير ذلك، فما حدث عند لقاء منتخبه الليبي بأسود الأطلس أن الثوار صمموا مباراة بطولية برغم أنهم خرجوا منها خاليي الوفاض، وما حدث عند لقاء الثوار بالمنتخب المحلي غرور وتعال وتبخيس لمقدرات المنتخب المحلي المغربي فكان السقوط مريعا.
هي الصدفة وحدها أرادت أن يواجه المنتخب الليبي منتخبنا الأول ومنتخبنا المحلي في فاصل زمني ضيق جدا بذات التشكيل البشري وبذات الهواجس الفنية، ولكن ما من شيء يسمح بعقد المقارانات، فما تأسس على قياس تكتيكي معتل المبنى ومختل المقاصد لا يمكن أن ينتهي إلا إلى أحكام خاطئة أو إلى إجترار لسوء النية، وأنا هنا لا أنتصر للأداء التقني الجماعي والفردي للفريق الوطني في مباراته الأخيرة أمام ليبيا الذي قلت أنه كان متدنيا لدرجة لا بد وأن تستنفر الناخب الوطني الزاكي بادو ليعقلن الإجابات على كل الأسئلة التي تداعت بعد المباراة، وبالقدر ذاته لا أنقص من الفوز القوي للمنتخب المحلي على ثوار ليبيا والذي إقترن بالأداء الجماعي الكبير الذي نجد فيه بصمة قوية لفاخر.
المحصلة الأساسية التي لا تقبل المزايدة هي أن الفريق الوطني ربح من مباراة ليبيا ما يحتاجه أي منتخب يراهن على صدارة المجموعة أي النقاط الثلاث، وربح إلى جانب ذلك هامشا زمنيا يستطيع فيه أن يعالج ما ظهر من نواقص على مستوى التوظيف وعلى مستوى مناقشة المباراة تكتيكيا من قبل المجموعة ككل، كما أن المنتخب المحلي بالفوز الكبير الذي حققه على ثوار ليبيا الأحد الماضي يكون قد تقدم خطوة كبيرة على درب التأهل لنهائيات «الشان»، في إنتظار جولة الحسم بتونس شهر أكتوبر القادم، برغم أن المؤشر الإيجابي الذي يبرز من المضمون التقني والتكتيكي الذي قدمه المحليون في مباراتهم أمام ليبيا وأيضا في الجولة الثانية من مباراتهم أمام نسور قرطاج، هو أن اللاعب المحلي يظهر فعلا أنه إستفاد في حدود معينة من التنظيم الإحترافي الذي أصبحت عليه البطولة الوطنية برغم كل التقديح الذي نمارسه عليها.
أما من يريدون جرنا إلى عقد مقارنات لا تقوم على أي سند فني بالنظر لما تنفرد به كرة القدم من خصوصيات أهمها أن مبارياتها لا تتشابه، فإنهم بالتأكيد يجرون وراء وهم ما عادت كرة القدم الوطنية تقوى عليه، هناك حاجة للحكمة في التعاطي مع المشهد الكروي الوطني، حكمة تقفل الباب أمام المزايدات والمغالطات وتمنع السباحة في نهر النقد المتعكر.