وأخيرا فطن رئيس الرجاء بودريقة إلى أن أفضل علاج بل آخر علاج للأورام الخبيثة التي أصابت فريقه وعجز عن مداواتها عطارا الجزائر وتونس وفقيه البرتغال هو «الكي»..
ما أفسده الفشوش والنفخ الخاوي والمجاني في لاعبين بقامات قصيرة، وتصورهم على أنهم نجوم فوق العادة، لن يصلحه إلا «جمال» بتشديد الميم عارف ما يدور برأس «الجمالة»، وهو الدور الذي أناطه رئيس الرجاء بطلال القرقوي الذي عرف في مساره شديدا صارما وحاد الطباع.
لا أعرف حقيقة وضع طلال، إن كان من الحاصلين على رخصة في مجال التدريب بصنف من أصنافها  الشهيرة من الألف لـ «دال»، ولا أعلم إن كان طلال وهو يعلق حذاءه بقطر قد عرج على واحد من مراكز التكوين والتنشئة الأوروبية الشهيرة كي يغرف من زادها ويطور نفسه مربيا ومدربا وملقنا، لكن ما أعرفه تمام المعرفة وواحد من شهود الفترة التي مارس فيها طلال وحمل قميص المنتخب الوطني، هو كونه كان لاعبا بلا ماء بالفم، ولا يتلون بلون المرحلة وعرفته رجل مبادئ وقيم.
الدور الذي اختار الرجاء تقليده لطلال القرقوري كان من الممكن أن يغلف بالسرية والتقية ويحاط بسياج التكتم، لكن رئيس الرجاء المكتوي بنار إنفلات ثلة وزمرة غير يسيرة من لاعبيه، فطن إلى أن التشهير بالإختصاص وتحديد الدور والتركيز عليه، بتسمية الأمور بمسمياتها فيه فوائد كثيرة للجميع.
إشهار اختصاص طلال وعلى أنه سيكون مسؤولا عن جوانب الإنضباط داخل صفوف الرجاء وعلى تدوين حالات الإنفلات والخروج الفاضح عن النص، هو إشارة ورسالة من مسؤول الفريق الأول للاعبيه على أن قضاء الأمور والحوائج بتركها إنتهى، وربط المسؤولية بالمحاسبة حان وقته ومن يخطئ سيسدد الفاتورة وعاجلا.
في سنة 2008 وبأكرا الغانية كنت واحدا من الشهود على نهاية طلال مع الفريق الوطني وبأي صورة؟ تابعت يومها وبحرص وتدقيق شديدين فصول صراع مرير للقرقوري مع الناخب هنري ميشيل والذي أمعن كثيرا في تعذيب القرقوري الذي كان يومها واحدا من مخضرمي الأسود وأكثرهم خبرة وخوضا للمباريات.
تابعت بأكرا كيف أن ميشيل عذب القرقوري وأناط بسفري شارة العميد، وكيف استبعد القرقوري من جميع مباريات الدور الأول من ناميبيا لغاية مباراة غانا مرورا بغينيا، وخلالها لم يتأخر طلال في الرد، فكان أول لاعب في تاريخ الكرة المغربية يحرر رسالة اعتزال وجهها رأسا وبشكل مباشر وعمودي صوب رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم طيب الذكر أنذاك حسني بنسليمان.
ولأن عرين المنتخب المغربي شاهد على أكل عمدائه وحاملي شارة القائد بخلافهم القوي مع المدربين المتعاقبين على شؤونه (نيبت مع الزاكي وسفري مع لومير وخرجة مع الطوسي وغيرهم كثير)، فقد أبى طلال أن يخرج الخروج الصاغر من عرين الأسود دون أن يضع بيت الفريق الوطني وأحواله تحت المجهر ويخضعه لـ «سكانير» دقيق الأشعة شرح من خلاله في رسالته الشهيرة دواعي الترجل من أعلى صهوة المنتخب المغربي انتصارا للكرامة واحتجاجا على أوضاع لم ترقه وأجواء هواية، عاد ميشيل ليعترف بها فور نزوله من مدرج الطائرة في اليوم التالي في ندوة صحفية هي الأقوى على الإطلاق لمدرب مر من المنتخب الوطني بحضور أوزال، إذ قال يومها هنري ميشيل:
«كرتكم هاوية وتحتاج الكثير لتتطور..».
لذلك فطن بودريقة أنه لما فرط في فاخر وهو الذي لم يتورع ولو يتأخر للحظة على مستوى تأديب صقور الرجاء فور تعيينه حين طالب من رئيس الرجاء حجز تذكرتي سفر من تركيا للدار البيضاء للعميد محسن متولي وعبدالمجيد الجيلاني بسبب خلاف بسيط رفضه فاخر داخل محيط فريقه.
ما قام به فاخر يومها كان سببا في إشاعة الإنضباط الذي جهل متولي يتغير رأسا على عقب، فأصبح عميدا مثاليا للفريق، وساهم مجيد في نتائج باهرة للخضراء وصلت على إثرها لوصافة مونديالية.
خلال نفس المعسكر كان لاعبو الرجاء يستيقظون على الخامسة صباحا ليجروا أول حصة على الساعة السادسة دون أن يتأففوا ولا يعترضوا في مشهد أراد من خلاله فاخر تخليص بعض الأجسام من سمومها بإجراء 3 حصص في اليوم الواحد، والنتيجة يعرفها بودريقة وغيره.
اليوم فقط أدرك رئيس الرجاء أنه بحاجة لمن يعيد الهيبة المفتقدة للأجواء، ولمن يساهم في عودة بعض اللاعبين لجادة الصواب والتخلي عن غرورهم الزائد ونجوميتهم الخادعة بفعل أكثر من «حنايكي ومصلحجي»..
طلال لن يكون مخبرا بمران الرجاء، ولن يكون ساعي بريد الغرامات والعقوبات المالية، طلال سيستحضر ماضيه الصارم الذي صنع منه نجما كبيرا ومحترفا منضبطا ليستنسخه بلمقدم والصبار وباقي المخدوعين بالإشادات المزيفة.