غيري تحسس وجود نية مبيتة في الرجة التي أحدثها بودريقة والرجاء على مقربة من الجمع العام الذي كان سيحاكم بكثير من القسوة عامه الثالث على رأس الرجاء من ولاية عمرها أربع سنوات، فما رمى به بودريقة من زوابع أعمت العيون وهو يقول أنه مصمم على إستقالة يحرض عليها ما بات يشعر به من ضيق في التنفس وما بات يصله من تأفف وضجر لأفراد الأسرة، ينطوي على حاجة إستشعرها بودريقة ليقفز على السنة المتبقية من الولاية الأولى وينال مساحة زمنية من أربع سنوات بمبايعة من جماهير الرجاء التي عبرت فصائلها عن رفضها المطلق لذهاب بودريقة.
شخصيا سأستحضر ما يعاب علي من حسن نية ومن ما أنا حريص عليه دوما، من عدم الخوض في الأعراض ولو أن من يديرون كرة القدم الوطنية لا يأمنون على هذه الأعراض، وسأقول أن بودريقة ما ذهب إلى ما ذهب إليه وما ضرب عرض الحائط ما صدر إليه من تحذيرات ذاتية، وما قرر الإعراض عن كل الإكراهات التي ساقها إلينا وأخذنا بكثير منها حزينين ومتأثرين، إلا لأنه رأى أن نزوله في هذا الوقت بالذات من السفينة الخضراء والرجاء تعيش على وقع الوجع بعد موسم كارثي لا يليق أبدا بفريق حل قبل 18 شهرا وصيفا لبطل أندية العالم، هو ضرب من العبث وسلخ لجلد الحب الصوفي للرجاء الذي يقول بودريقة أنه يكسو فيه العظم.
قد يكون بودريقة أرغم على هذا الذي فعله بالعدول عن الإستقالة إنتصارا للحب الذي يكنه للرجاء، ولكن ما الذي جعله يذهب إلى عقد جمع عام إستثنائي بدل العادي وينال ولاية جديدة من أربع سنوات، وهو الذي كان متاحا له أن يكمل السنة المتبقية من ولايته الأولى وبعدها ينصرف إلى حال سبيله؟
ما كان هناك من شيء يضغط على بودريقة ليترك الرجاء ولا يكمل السنة المتبقية من عمر ولايته،  فالجماهير الرجاوية وإن كانت قد بلغت درجة متقدمة من الإحباط والحزن والفريق يخرج خالي الوفاض من موسمه الكروي، ما كانت لها النية لأن تقوض الصرح وتطالب برحيل بودريقة، فقد كان هناك يقين من أن أخطاء أرتكبت تحت هذا الظرف أو ذاك ولكنها لا تستدعي نسف المركب بكامله، لذلك يحيرني كما الكثيرين كيف إنتقل بودريقة من رجل مصمم على الرحيل متذرعا بكل الذرائع الإنسانية والفكرية والرياضية التي لا يمكن الإعتراض عليها، إلى رجل يقبل على مضض التنازل عن هذا الحق الشخصي المعبر عنه بلا أدنى ضغط، بل ويزيد عليه بأن يجعل من السنة المتبقية ولاية ثانية من أربع سنوات.
في إعتراف بودريقة بوجود عديد من الأخطاء التي لها طبيعة تدبيرية وكثير منها يحضر عند تقييم الحصيلة الكارثية للنسور الخضر،  ما يدل على وجود رغبة في تصحيح المسار، فقد جاء بودريقة إلى دفة التسيير نازلا من قواعد الجماهير بمشروع يقول فيه أنه سيدير الرجاء بقلب المحب وبعقل المستثمر، وفي حضور ما هو عاطفي مع ما هو عقلي حتى لا أقول تجاري نستطيع أن نتبين لماذا نجح بودريقة في أوقات، ولماذا فشل في أخرى؟
كيف تمكن في توقيت زمني قياسي من إحراز الألقاب بل والوصول إلى أفضل تسويق لإسم الرجاء عالميا من خلال مونديال الأندية؟ وكيف فشل فشل ذريعا في تحقيق ما كان الرجاء بجماهيره وبتاريخه أهل له، الفوز بلقب عصبة الأبطال الإفريقية؟
هي سنوات أربع أخرى أعطيت لبودريقة من برلمان يقال عنه ما يقال، والوصول إلى أبعد مدى فيها يحتاج فعلا إلى تصور جديد يقطع مع كل التهور والهذيان الذي حصل عند تدبير بعض الملفات وأولها ملف المدربين وانتدابات اللاعبين، ويحتاج إلى ملاءمة كبيرة بين الإنتصارات التجارية والإنتصارات الرياضية، فإنه يكون مؤسفا فعلا أن يكون الرجاء برغم ما يقال عنه من أنه عقد صفقات تجارية قوية، قد خرج من موسمه الأخير بمديونية كبيرة وبأيدي فارغة.