شيء من إثنين، إما أن يكون هذا الذي يحدث في مشهدنا الكروي الوطني مفض لا محالة إلى كارثة إقتصادية تتهاوى معها صروح الأندية الوطنية تباعا، بخاصة تلك التي تدعي أنها تجر باقي عربات القطار، وإما أن نكون نحن من نقف عند الخط الأول للمشهد الكروي ناقدين ومدققين، قد بالغنا في التحفظ وفي الخوف وفي التوجس مما يحدث ومما يفعله ما يسمى تجاوزا الجيل الجديد من المسيرين الذي يقود الأندية ويراهن على إعمال الفلسفة الجديدة في التسويق للوصول بموازنات الأندية إلى أرقام قياسية.
لم يعد هناك من حاجز يقف عنده رؤساء الأندية خاصة تلك المنعوثة بالأندية المرجعية في تحطيم الأرقام وفي رفع سقف الموازنات وفي تحقيق الطفرات المالية التي لم يكن أحد على الإطلاق يتنبأ بها قبل عقد من الزمن، قطعا لا أشك في أن رفع السقف لمستويات قياسية يمر عبر مقاربات جديدة ومبتكرة في مجال التسويق وعبر أنماط مستحدثة لجر المجالس البلدية والجماعية التي تأوي جغرافيا هذه الأندية إلى مضاعفة أرقام الدعم العمومي، إلا أنني موقن أن كثيرا مما يجنح إليه رؤساء الأندية في القفز بالعائدات وحتى المصروفات إلى أرقام كبيرة، بعضها بات يحادي العشرة مليارات، لا يتصف بالحكمة ولا يأتي وفق دراسات إقتصادية عميقة، ومتى لم تكن هذه الموازنات المالية مؤسسة على قاعدة إقتصادية رصينة ومسيجة، متى كان ممكنا توقع الأسوأ، توقع أن يسقط الصرح فوق رؤوسنا جميعا.
لا أريد أن يفهم من هذا الذي أسوقه اليوم في صورة خوف من الآتي، أنني أعترض على أن تتضاعف موازنات الأندية لتستطيع مواكبة كثير مما يفرضه علينا السلوك والنظام الإحترافي فرض عين، فقد كنت من الذين دعوا إلى فتح صنابير الدعم الممكنة، العمومية والخاصة بكثير من الحكمة وبإعمال كل آليات المراقبة والمحاسبة، إلا أن الأمر يجب أن يقترن بضوابط ومعايير يتم فرضها على هذه الأندية لكي لا تكسر القواعد الإقتصادية ولكي لا تبني صروحها المالية على كثبان من الرمال، هناك إذا حاجة ماسة إلى أن تبرز الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بما تمتعه بها التشريعات الوطنية والدولية من وصايات وصلاحيات، كعنصر مراقبة وتوجيه وتحسيس أيضا للحيلولة دون التجاوزات ولوقف كل تقويض للروح الرياضية المالية، فلا شيء على الإطلاق يمكن أن يعفي هذه الجامعة من مسؤولية المساهمة بالسكوت أو باللامبالاة، في أي خراب مالي يمكن أن يصيب هذا الفريق أو ذاك لا قدر الله.
وعندما يكون السيد رئيس الجامعة إطارا عاليا في مجالات التدبير بتعريفاته الحديثة والعصرية، فإنه يكون أول ملتقط لهذه الإشارات المحذرة التي ترتفع اليوم في سماء كرة القدم الوطنية، فإن سلمنا بأن الزيادات التي تطرأ على موازنات الأندية هي نتاج لعوامل ذاتية وموضوعية، فإن المسؤولية تحتم أن يكون هناك ضابط لسرعة السير يمنع كل محاولة لتكسير الإشارات أو لتجاوز السرعة المسموح بها، وهذه المسؤولية يجب أن تناط بخبرات وطنية في مجالات التدبير المعقلن، تعمد إلى مراقبة مالية الأندية وإلى ملاحقة كل العمليات المصرفية وكل التعاقدات لكي لا يتم التضحية بالتوازنات المالية والتي يرمز كل شيء غيرها إلى الإنتحار الإقتصادي.
حاجتنا ماسة في هذا الوقت بالذات ونحن نواصل شرعنة الإحتراف وتنزيل قيمه ونصوصه إلى الإستفادة مما يحدث اليوم أو حدث بالأمس القريب لأندية لم تخضع لنظام المراقبة المالية الصارم وتركت تفعل بنفسها ما هو جنون وخبل، فكان مآلها الموت والزوال، حاجتنا إلى تفعيل كل آليات المراقبة بهدف ضبط التوازنات ومنع كل المزايدات، كما هي ماسة حاجتنا إلى إبداع منظومة جديدة لمطابقة الأندية ماليا ولوجستيكيا وقانونيا مع دفاتر التحملات التي يبقى الوفاء الكامل والحرفي بها أبرز شروط المشاركة في البطولة الإحترافية.