بأي عين يجب أن ننظر إلى ما تحدثه أغلب أندية البطولة الإحترافية على تشكيلها البشري لمواجهة إعصار الموسم الكروي القادم؟
بعين من يرضيه أن تنتبه الأندية جميعها أو أغلبها لضرورة مراجعة الرصيد البشري تحسبا لأي خصاص يمليه هذا الطارئ أو ذاك، بمراعاة ما يوجد باليد من المال لا ما يوجد بالهواء؟ أم بعين من يرى في هذه الإنقلابات النوعية التي لا رابط منطقيا بينها، دليلا على سوء تدبير وعلى رعونة في إبرام الصفقات وبرهانا على وجود هدر معلن للمال وللجهد؟
لا حاجة للتأكيد على أن الأندية تحتاج مرتين في السنة عبر ما تتيحه الأعراف الدولية إلى التزود بشريا بما يمكن أن يغطي الخصاص ويدرأ ما تأتي به الطوارئ وهي كثيرة في كرة القدم، ولكن عندما لا يكون هذا التزود من سوق الإنتقالات الصيفية تم الشتوية مؤسسا على سياسة فنية وتسويقية وتجارية مندمجة ومعقلنة، فإن ذلك يصبح له معنى واحدا هو أن الأندية إما أنها تقامر بماليتها وهي تتهافت لإبرام الصفقات بلا وازع تقني ولا موجه إستراتيجي، وإما أنها تتعمد ذلك لتبييض الكثير من العمليات المالية المشبوهة، فقد يكون حقيقة لا وهما أن بعض من يقتاتون من الأندية يجعلون من الإنتدبات الصيفية والشتوية مجالا رحبا للإغتناء، والدليل على ذلك ما نسجله على إنتدابات بعض الأندية من فشل يصيب بالفزع وبالشك في صدقية التصميم والتنفيذ.
ولعل كل من أطلع على الملف الأخير الذي أنجزناه عن كثير من الصفقات الفاشلة لأندية وطنية لها مرجعيتها ومنها الوداد والرجاء والجيش، سيقف على حقيقة أن هناك هدرا فظيعا للمال من خلال صفقات أبرمت ذات وقت بقيم مالية قياسية، نتيجة ما أحيطت به وقتها من مزايدات مشبوهة، وتبين بعد ذلك أن الأندية المعنية بها لم تكن بقليل من الإنضباط والجدية والنزاهة الفكرية لتقبل على عمليات تجارية خسرتها الملايين، فاللاعبون موضوع هذه الصفقات بيعوا بأثمنة زهيدة، بل منهم من ظل عبئا ثقيلا على هذه الأندية وكلف التخلص منهم الشيء الفلاني.
بالقطع لو نحن أخضعنا الأمر للتقييم المالي لحجم الخسائر، قبل إعمال الإفتحاص الذي هو إحدى ضرورات النظام الإحترافي لصدمتنا الأرقام، فالكتل المالية المروجة عادة في سوق الإنتقالات مغالى ومزاد فيها، ولا تنفع اللاعبين بقدر ما تنفع عشرات المزايدين الذي منهم من يلبس للأسف جلباب وكلاء اللاعبين ويقف مزهوا في ناصية الشارع يعرض بلا حسيب ولا رقيب مغالطاته وحيله.
اليوم عندما أقف على حقيقة أن الوداد التي قال توشاك أنه لن يغير جلدها إلا بنسب طفيفة بحسب ما تفرضه الحاجة لتقوية بعض مراكز اللعب، تمضي في اتجاه إبرام ثمان صفقات معلنة أو مضمرة على حد سواء، وعندما أقف على حجم الثورة البشرية التي يحدثها الهولندي رود كرول داخل الرجاء البيضاوي والتي تؤشر على نهاية الجيل المونديالي الذي لم يمر على وصافته لبطل أندية العالم أكثر من سنتين، وعندما نتمحص الغربلة الكبيرة التي يخضع لها الجيش بمعية أندية أخرى، ندرك مدى الإرتباك الحاصل داخل كل الأندية وبخاصة تلك التي يفترض أن يكون لها حد أدنى من الحصانة والمناعة ضد الإنتدابات الجزافية، وهو إرتباك يفسر بضعف المقاربات التقنية قبل التجارية لإبرام الصفقات ويفسر بعدم الإستقرار التقني الذي يترتب عنه ما نشاهده من فوضى على مستوى عقد الصفقات ويبرر بالهشاشة التي أصابت الغالبية العظمى للأندية، فهي إما لا تستطيع رفع إنتاجها على مستوى فئاتها الصغرى لسد الخصاص وتحجيم نسب الإنتداب وإما لا تملك الخبرة الكافية في تصميم العقود. 
ذات مرة تحدثت عن آفة التوازنات المالية المضروبة والتي إن تحكمت في عنق الفريق قادته رأسا إلى الإفلاس، ومن مظاهر إختلال المنظومة وضعف القاعدة المالية أن الفرق تنساق أحيانا بنهم غير مبرر وأحيانا بهدف قطع الطريق على من ينافسها وراء صفقات لا تجدي نفعا، بل على العكس تصيب الفريق بكثير من الترهل المالي، فيكون ذلك مؤشرا على إختلال التوازنات.
نحتاج في سنتنا الإحترافية الخامسة إلى ما يفتح العيون على هذه الحقائق الصادمة وإلى ما يخلق المشهد الكروي ويمنع عنه مزيدا من الإنحرافات المالية وإلى ما يضع سقفا يعتبر تجاوزه مخالفة موجبة لأشد العقاب وإلى ما يفرض ضوابط ويعمل الصرامة في ضبط كل من يخالف.
نحتاج إلى ما يشيع النزاهة وما يدعم الروح الرياضية المالية وما يحارب بقساوة كل من يتاجر نهاية كل موسم في مصير الفرق.