كل من تابع وأضاع من وقته 90 دقيقة ليتعذب بمشهد الركاكة والضحالة في كل تجلياتها، ليعاين ما سمي بمباراة ودية أمام منتخب الغابون، لا بد وأنه خرج بانطباع هام وهو أن بيت المنتخب المغربي لم يعد له حارس وأصبح مفتوحا على السيبة وعلى أنه يحق لكل من هب ودب أن يدخله بــ «صباطه» ونعله.

وعلى أن الهيبة التي ظلت مرافقة للأسود زالت بزوال رجال صناديد منهم من حورب ومنهم من اختار زاوية بعيدة وركناً قصياً ويتفرج على ما يجري أمامه.

المنتخب المغربي الذي كان أيام زمان لا يلجه إلا ذو حظ عظيم، ولا يلحق به لاعب إلا بعد أن ينشف وينزل منه منسوب كبير من العرق البارد، أصبح اليوم مفتوحا في وجه الأصباحي وحكاية هذا الأصباحي غريبة عجيبة فعلا، لأن السي بنعبيشة مصر على معاندة أمة  الكرة بأكملها ليؤكد لها أن الأصباحي فعلا موهوب ولاعب يستحق الدولية رغم أنف الجميع، حتى وإن كان رصيده من الممارسة شهورا معدودة.

والمنتخب المغربي الذي كان ساحة للعمالقة والنجوم الكبار هو اليوم مفتوح في وجه النفاثي الذي يلعب في هواة فرنسا، والأحمدي الذي لعب مع فاخر داخل الحسنية قبل 14 سنة وهو من نفس جيل لمياغري لم يسبق وأن تابعنا يوما الأحمدي حارسا لا للشبان ولا للأولمبي ولا حتى للمحليين.

كما أنه منتخب يدخله النهيري ومحرم على الخاليقي وبصير، ودون أن نتوغل أكثر في الإختيارات هو باختصار حديقة الدخول إليها متاح أمام عامة خلق الله «واللّي خَالُو فْدَارْ الْعَرْس مُسْتَحِيل أن يَنامْ من غِير عْشًا».

قلت مرارا على أن الجامعة عفريتة ومن يحركوا خيوطها خلف الستارة عباقرة يستحقون فعلا الإعتراف لهم بالنبوغ والذكاء الحاد، فكلما أرادوا حرق جلد مدرب مغربي جاؤوا به ليقدموه قربانا لفرن الإنتقاد.

وغريب جدا أنه كلما حل مدرب مغربي ليشرف على المنتخب إلا وبرز خلاف بينه وبين أبناء قبيلته الذين يتقاسمون معه الهم واللغة والعرق.

التاريخ يذكر لنا حكايات كثيرة في سياق جدال المدربين المغاربة مع لاعبين مغاربة، من اللوزاني والداودي لغاية الخيدر وبصير مرورا بالزاكي ونيبت و حسن مومن و « رباعتو» مع بوصوفة و حجي و بعدهم الطوسي مع خرجة وتاعرابت، ليسير السي بنعبيشة على أثر السلف الصالح ويشغلنا طوال 3 أيام الباكور التي حل فيها مروضا مؤقتا للأسود بحربه الباردة مع بنعطية.

لا يمكن لعاقل ولا حتى لحالم، أن يتصور مع خالص التقدير لكل الأسماء التي ذكرت أن يقنعنا بأن مباراة الغابون كانت مفيدة في خلاصاته وما قدمته للجمهور المغربي، ولا يمكن لعاقل أن يقنعنا أنه بالنهيري والأصباحي والنفاثي واليوسفي وأبرهون الذي مرمده إيفونا الذي يلعب معه في نفس البطولة، سنفوز على يايا توري وإيطو ودروغبا وباقي النجوم الكبار الذين سيسخنون الطرح بالبرازيل قبل أن يزوروننا الشتاء القادم.

المنتخب المغربي الذي تخرج منه فنانون عبر تاريخه الطويل ولاعبون بقامات عملاقة وموهبة فذة، وكان دخول حماه يتطلب بذل سنوات من العرق والجهد والإنتظار في طابور طويل، هو اليوم جبهة مفتوحة في وجه كل من ينام ويستيقظ في اليوم الموالي ليجد نفسه وقد ارتدى «التوني» في غفلة من الجميع.

بالطريقة التي واجهنا من خلالها منتخب الغابون، وباستمرار الإختيارات على هذا النحو من المحاباة والعاطفة وغيرها من الأمور الخفية الأخرى، سندفع جماهير الأسود لتغير الإنتماء ولإستبدال العشق ولتبني منتخب إفريقي آخر تشجعه بالوكالة في «الكان» القادم الذي سنودعه بلا شك مبكرا إن نحن واصلنا بهذه الفوضى وهذا العبث القاتل.

الرسالة توضحت وزيادة الواضحات من المفضحات بلا شك، الرجل المناسب الذي لا يوضع بالمكان المناسب هو واحد من أسباب تكالب المنتخبات على الـمنتخب الوطني وواحد من العلات التي تسببت لنا في ورم خبيث عجزنا عن التخلص منه منذ فترة طويلة.

لذلك حين يستعيد الأسود عزتهم والكاريزما التي كانت رأس مالهم الكبير فيما مضى، وحين يكون مجال الإختيار محصورا في العمالقة شكلا ومضمونا وليس في وجه كومبارسات بالكاد عرفوا معنى «التورناج».. حينها يمكننا أن نقول أن بيت الـمنتخب الوطني محصن وعلى أن السيبة الحالية لا يمكنها إلا أن تنتج دمارا مثل الذي نجني ثماره منذ سنوات.

رجاء حصنوا بيت الـمنتخب الوطني وأغلقوا أبوابه حتى لا يكون قبلة ووجهة يتساوى فيها العمالقة والأقزام؟.