تلزمني المعرفة الدقيقة بالشخص وما تأتى من مناسبات لاستكشاف طبيعة تضاريسه الفكرية، أن لا أرى أي مزايدة أو مساومة في الصرخة التي أطلقها الحاج عبد المالك أبرون قبيل مباراة فريقه المغرب التطواني أمام الهلال السوداني عن ثالث جولات عصبة الأبطال الإفريقية، والتي أبلغ فيها نيته في التنحي عن الرئاسة عندما ينعقد الجمع العام العادي شهر شتنبر القادم، فقد دعا كل من يتوسم في نفسه القدرة على قيادة المغرب التطواني بالصورة الرائعة التي أصبح عليها وبالإرث الكروي الذي يجره خلفه، أن يتقدم لتسلم مشعل الرئاسة، وحتما سيجد كل الأبواب مفتوحة على مصراعيها في وجهه.
كان من الفطنة ومن الحنكة أن يعمد الحاج عبد المالك أبرون إلى تأجيل الجمع العام العادي للمغرب التطواني إلى شهر شتنبر، إلى حين الإنتهاء من الإستحقاقات الإنتخابية دليلا على المسافة التي ظل أبرون حريصا على أن تبقى بين المغرب التطواني وبين السياسة بشتى تجاذباتها وأنفاقها، وكان أيضا من الذكاء أن تطلق الصرخة في هذا التوقيت بالذات ليشعر كل من يشتركون في حب تطوان ومن يشتركون في تقلد مختلف المناصب، أن المغرب التطواني هو هم جماعي لا يمكن أن يرمى بالكامل على كاهل أبرون لوحده، فالمدينة برمتها مسؤولة مسؤولية كاملة عن هذا الفريق باعتباره مجسما ورمزا وعنوانا لتاريخ المدينة قديمه وحديثه.
بالقطع لا يبحث الحاج عبد الملك أبرون لمن يستعطفه ولمن يلقي عليه العار ولمن يذرف الدموع، لكي يستمر رئيسا للمغرب التطواني، فما أظن أن تلك كانت هي غايته من القول علنا بأنه جاد في الرحيل ليس عن الفريق الذي بات جزء لا يتجزأ منه، ولكن عن منصب المسؤولية التي تمثلها بما توفر له من جهد واجتهاد، بل الغاية هي أن يشعر من يدير شأن مدينة تطوان في أي موقع من المواقع، بأن المغرب التطواني مسجل قانونا باسم المدينة وليس باسم أبرون، وإذا ما كان قد بدل المستحيل من أجل أن يجعل الحمامة تحلق بلقب البطولة مرتين في السنوات الثلاث الأخيرة ومنها أن تحلق نحو الفضاءات الإفريقية، وما إجتهد في تحويل المغرب التطواني إلى مؤسسة رياضية، فإنه ما فعل ذلك إلا إرضاء لعشق كبير ومساهمة في بناء المدينة، ويكون من الضروري أن يقابل هذا العمل الرائع بالدعم والمساندة الفعلية لا بكلمات الثناء.
وإذا كنت لا أحيد عن الجميع في قياس درجة النجاح الكبير الذي بلغه الحاج عبد المالك أبرون في قيادة المغرب التطواني إلى النجاحات الوطنية والقارية على حد سواء، إلى الحد الذي أصبح معه مرجعا للكرة الوطنية، إلا أنني أقيس حجم وروعة هذا النجاح في التحول الكبير الذي طرأ على المغرب التطواني من القاعدة إلى قمة الهرم، فالفريق لم يخلق ليفوز بالألقاب وبعد ذلك يرمى في غياهب التاريخ، كما حال كثير من الأندية التي طبعت الزمن الجميل لكرة القدم المغربية، بل خلق ليعيش على الدوام معتزا بالألقاب ومتحفزا لأن يجعلها هدفا له في كل حين ومتحصنا بالهياكل القوية التي أسس عليها والتي تستطيع أن تحميه من عاديات الزمن ومن رياح التعرية.
عندما يقف أي منا بملعب سانية الرمل على العمل الهيكلي الذي أنجز بهدف تقوية البنيات التحتية، ويقف على حجم العمل الإحترافي الذي غير منظومة العمل ويقف عند الرؤي التقنية الحديثة التي تم تنزيلها، يشعر فعلا بحجم النجاح وبثقل الإرث الذي وجب الحفاظ عليه ليس بالتوسل والتضرع بكل العبارات للحاج عبد المالك أبرون لكي يستمر ربانا وقائدا، ولكن بتسخير كل ممكنات مدينة تطوان الإقتصادية والسياحية والفكرية للحيلولة دون ضياع هذا الإرث وهذه المرجعية التي بنيت في زمن قياسي.
هي ليست مناورة على غرار ما يحفل به المشهد الكروي الوطني، بل هي رسالة واضحة وجهها أبرون لمن يعنيهم شأن المغرب التطواني بالصورة التي أصبح يبرزها وطنيا وقاريا، ملخصها أن من يتصور أن أبرون هو المغرب التطواني فإن أبرون كحال كل العباد إلى زوال، ومن يتصور أن المغرب التطواني هي لتطوان، فلا بد من التعبير فعليا عن هذه العلاقة الوطيدة والمترسخة بين المغرب التطواني ومدينته، بما يحمي ظهر الفريق وبما يجعله تاجا فوق رأس التطوانيين.
أرجو أن تكون الصرخة قد قرأت بهذا الشكل الحضاري الذي يقول أن هناك رسالة بعثت بلا مزايدات وبلا تحريفات.