كيف لا يعم المغاربة حزن كبير من الذي شاهدوه بملعب رادس بتونس، والأمل في التواجد في دورة الألعاب الأولمبية بريو دي جانيرو يذبح من الوريد إلى الوريد، بفعل ما كان أولا من أخطاء تكتيكية وتدبيرية فادحة جنى منها أولمبيونا الهزيمة أمام نظرائهم التونسيين، وما كان ثانيا من تجاوزات ومن خروج عن النص الأخلاقي الذي لا يمكن أن تشفعه كل أخطاء الدنيا التي يمكن أن يأتي بها حكم المباراة.
كيف لا يحزن المغاربة وكل من قيد لهم الحديث باسم هذا المنتخب الأولمبي من حسن بنعبيشة المدرب والقائم على الشأن التقني إلى المدير التقني ناصر لاركيت المسؤول عن لجنة المنتخبات الوطنية، وإنتهاء بالعضو الجامعي نور الدين البوشحاتي رئيس لجنة المنتخبات الوطنية، سوقوا الوهم بأن هذا المنتخب وما رصدت له من إمكانيات ومن مساحات زمنية ليتحضر كما لم يفعل غيره في قارة إفريقيا، لن يكتفي بإسقاط الحاجز التونسي، ولكن سيتعداه إلى الفوز باللقب الإفريقي والوصول بالعلامة الكاملة لأولمبياد ريو دي جانيرو.
إستغرب المغاربة، بل أصيبوا بالوجوم والدهشة وهم يعاينون الطريقة التي جرى بها تدبير مباراة العودة بتونس إن على المستوى التكتيكي أو الرياضي، فإلى جانب الأخطاء التي كانت لها تداعيات سلبية على مستوى الإختيارات التكتيكية إلى درجة أنها حولت المنتخب المغربي إلى مجموعة من دون هوية ومن دون شخصية ومن دون قدرة على ردع الخصم ومجاراته، كانت هناك إنحرافات سلوكية أظهرت اللاعبين المغاربة بمستوى أخلاقي غير مقبول، فمهما كانت أخطاء حكم المباراة مؤثرة ومصيبة بالغبن، ما كان على اللاعبين أن ينساقوا وراء التحرشات ويأتوا بالإنحرافات التي أخرجتهم من سياق المباراة وأفقدتهم توازنهم وهدوءهم وتركيزهم.
ومهما شجبنا الأداء التحكيمي الضعيف لحكم المباراة ومهما رفضنا بالمطلق حالة الهيجان التي كان عليها رجال الأمن التونسي الذين كلفوا بحماية الطاقم التحكيمي، فدفعهم إلى الإعتداء على اللاعبين المغاربة، إلا أننا لن نتفق على ردات الفعل اللارياضية التي أتى بها الأولمبيون المغاربة، لأن ما كان سببا في تحطم الحلم الأولمبي هو الرعونة التي أدار بها الأولمبيون المغاربة مباراتهم بتونس وهم من يملكون العديد من أوجه التفوق على نظرائهم التونسيين، وما أتى به الحكم من أخطاء إنما شجعه عليها أن لاعبينا سقطوا بكامل الرعونة في المطب المنصوب لهم.
لقد أعاد سيناريو مباراة رادس، ما كنا نحذر منه كلما كانت منتخباتنا وأنديتنا في مواجهة الكرة التونسية، فقد كان من الضروري تحضير الأولمبيين المغاربة ذهنيا في المقام الأول لإحباط كل الأساليب الملتوية التي يلجأ إليها اللاعبون التوانسة لاستفزاز من يقابلهم في مباريات مصيرية كهاته.
عموما فإن إقصاء المنتخب الأولمبي من أول الطريق التصفوي للألعاب الأولمبية والذي سيكلف كرة القدم المغربية التغيب عن الأولمبياد القادم بريو دي جانيرو وهي التي حضرت دورة لندن سنة 2012، يمثل أول حالة فشل كبيرة في عهد فوزي لقجع رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فشل لا يتعلق بالقصور على مستوى الإمكانيات المادية بالنظر إلى أن الطاقم التقني تمتع بكل الصلاحيات وبكل الإمكانيات لإنجاز أفضل تحضير ممكن، ولكن الفشل هو فشل التدبير وفشل الإختيارات، فالجامعة مسؤولة عن إختيارها للطاقم التقني بقيادة بنعبيشة ومسؤولة عن الصلاحيات الممنوحة للمدير التقني الوطني ناصر لاركيت، ومسؤولة تلقاء ذلك عن الفشل في استقطاب اللاعبين المغاربة الممارسين بأوروبا والذين كان حضورهم سيغطي بلا شك على كثير من نواحي الضعف التكتيكي التي أبرزها لاعبونا في مباراة تونس.
وتبدو قوة الفشل ودراميته ومدى وطأته الكبيرة على النفسيات وعلى منظومة العمل، أمام النجاح الكبير الذي تحقق على عهد الهولندي بيم فيربيك في حقبة سابقة عندما نجح بوصفه مدربا للمنتخب الأولمبي ومشرفا على المنتخبات الوطنية في إيصال هذا الأخير إلى دورة لندن وإلى استقطاب العديد من اللاعبين الممارسين بأوروبا والذين أصبحوا اليوم إرثا بشريا للكرة المغربية، بدليل وجودهم النوعي والكيفي داخل المنتخب الأول من أمثال عبد العزيز برادة وعمر القادوري وزكرياء لبيض وعبد الحميد الكوثري وزهير فضال وياسين جبور وزكرياء بركديش.
يحتاج إذا هذا الإخفاق الكبير والمؤثر للمنتخب الأولمبي وهو أحد أبرز الحلقات في هرمية كرة القدم الوطنية، وأكثرها إيلاما بعد أن سقط قبله منتخب أقل من 20 سنة ومنتخب أقل من 17 سنة إلى إجراءات فعلية تسائل المعايير التي يتم على ضوئها اختيار الأطقم التقنية المشرفة على المنتخبات الوطنية والطريقة التي يتم بها تدبير هذه المنتخبات الوطنية بحسب تسلسلها، فلا يمكن أن نقيم الدنيا ولا نقعدها عندما يخفق المنتخب الأول، ونحدث ثورة لا أول لها ولا آخر ونتعامل باستخفاف ولامبالاة مع إقصاء المنتخبات الوطنية الأخرى.
إن سقوط المنتخب الأولمبي بالصورة المدوية والمستفزة التي جاء بها بملعب رادس أمام منتخب تونسي يجسد ما تعيشه الكرة التونسية من تقلبات، هو إيذان بسقوط صرح كروي وإعلان عن إفلاس جيل قريب جدا من المنتخب الأول، وتأكيد على أن هناك خللا كبيرا في منظومة العمل التقني على مستوى المنتخبات الوطنية كما على مستوى الأندية، خلل لا يمكن للسيد ناصر لاركيت أن يواجهه بالإدعاءات الفارغة، من قبيل أن الضرب المبرح الذي يتعرض إليه اليوم لا يعدو أن يكون تصفية للحسابات، ولكن لا بد من مواجهته بالنقد العنيف والصريح الذي يعرف الإنسان بأخطائه ويشجعه على تصحيحها، فوراء هذا المنتخب الأولمبي ووراء كل المنتخبات الوطنية ووراء كرة القدم الوطنية برمتها شعب يريد أن يفرح مهما كلفه ذلك من ثمن.
لقد تمخضت الملايير المصروفة فولدت فضيحة جديدة.