معجبا ومبهورا، تابعت ما رصدته كاميرا قناة «ميدي 1 تي في» خلال ملاحقتها لمباراة القمة عن بطولة القسم الوطني الثاني بين إتحاد طنجة والنادي المكناسي، فقد كان رائعا ودالا على وجود حالة من الإنتعاشة الكروية برغم ما يبعث عليه مشهدنا الكروي من كآبة، أن يتواجد بالملعب الكبير لعروس البوغاز هذا الحشد الكبير من الجماهير في مباراة عن بطولة تسمى في العادة ببطولة المظاليم جراء ما يصيبها من غبن إعلامي.
ما يزيد عن الأربعين ألفا أغلبهم من مناصري إتحاد طنجة عقدوا فيما بينهم بصورة ولا أروع ميثاقا للإلتفاف خلف فريقهم، هاجسهم الأوحد هو إعادة فارس البوغاز إلى بطولة المحترفين وتصحيح ما أظنه شخصيا خللا في منظومة كرة القدم، عندما لا يكون لمدينة طنجة بما تحتكم إليه من مؤهلات موطئ قدم في معترك الكبار، بالقطع لن أقف عند ما كان من إنفلاتات أعقبت المباراة لا بد وأن تكون موضع تحليل عميق والبعض يمسخ تلك الصورة الجميلة التي إرتسمت بملعب طنجة الكبير ليس فقط في المباراة أمام النادي المكناسي ولكن في ثلاث مباريات سابقة، ولكنني أريد أن أنفذ معكم إلى عمق هذا الذي إستجد بالمدينة الجميلة والساحرة التي هي وجهنا الحضاري الذي نريد أن يرانا به الأوروبيون، والجماهير الطنجية تقرر التوافد بهذه الكثافة النوعية على الملعب الكبير لتحمل فوق الأكتاف الفرسان الزرق في سفرهم المجنون نحو تحقيق حلم الصعود الذي كان على مدى سنوات أشبه ما يكون بأحلام الكرى.
كثيرة هي الرسائل التي نقرأها من هذا الذي يحدث، قد يكون أولها أنه ما عاد ممكنا وطنجة تملك ملعبا من أرقى الملاعب بالقارة الإفريقية بل نستطيع أن نجزم بأنه يمتاز على كثير من الملاعب بأوروبا، وتحظى حاليا بالتفاتة ملكية وبثقة كبيرة من مستثمري العالم بإستراتيجية خلاقة لتحويلها إلى حاضرة إقتصادية وثقافية عالمية، ما عاد ممكنا في ظل هذه الفورة الإقتصادية والعمرانية أن تتخلف طنجة عن الركب الرياضي ولا تمثل للمغرب جناحا وحضنا ومحمية للإبداع الرياضي والكروي على وجه الخصوص.
وأظن أن من تفطن إلى ضرورة مواكبة التحولات هي الجماهير الطنجية التي قررت إسقاط كل جدارات الصمت والخروج من مغاور الهزيمة وجحور الإحباط لرفع الصوت، صوت المطالبة بفريق كبير يستجيب لانتظارات جمهور متحرق ويتطابق مع مدينة تعيش تحولا قطاعيا مثيرا للإعجاب.
عند بناء أي مشروع كروي يهدف إلى الإستثمار بكل الأبعاد الرياضية والإقتصادية والبشرية يكون الإحتكام إلى ثلاثة عناصر أساسية، العنصر الأول يتمثل في عراقة وأصالة والشموخ التاريخي للفريق الذي سيكون جوهر المشروع والعنصر الثاني يتمثل في قابلية هذا الفريق على جلب قاعدة جماهيرية كبيرة لتكون المستهدف الأول للمشروع باعتبارها قاعدة مستهلكة بدرجة أولى ثم مسوقة بدرجة ثانية، والعامل الثالث أو الضلع الثالث في مثلث المشروع هي البنيات التحتية التي هي الأرضية التي يبنى عليها المشروع، فما الذي يمكن أن يجنيه المشروع ربحيا من وجود فريق قوي وجماهير بالآلاف وليس هناك ملعب يستطيع أن يكون محمية للفريق وبيتا للجماهير.
هذه العناصر الثلاثة التي لا يقوم أي مشروع رياضي من دونها متوفرة اليوم لمدينة طنجة، فاتحادها الذي هو قلعة لكثير من التوافقات وعمليات الدمج يمثل كل جوانب العراقة التي قصدتها والتي تحيل على العنصر الثاني المتمثل في وجود قاعدة جماهيرية كبيرة، فلو لم يكن الإتحاد هو أصل العراقة لما كانت كل ساكنة طنجة تلتف اليوم من حوله، وما دام أن طنجة تتوفر على ملعب من الطراز العالمي فإن العنصر الثالث يحضر لتكتمل الأضلاع، فماذا بقي إذا؟
بقي المشروع نفسه والذي يجب أن يتمتع بقدر كبير من المصداقية في تركيبته وبكثير من الحذاقة والإحترافية في تشكيله ليكون متطابقا مع محيطه الكروي بمنطقة نعرف أن لها خصوصياتها الرياضية وليحصل على قدر كبير من الإجماع فيلتف حوله كل الطنجيين، فعاليات ومؤسسات وجماهير، ليكون الهدف الأول للنجاح هو تحقيق الصعود إلى البطولة الإحترافية وبعده تلوح في أفق الإشتغال أهداف أخرى منها هدف التتويج بالألقاب وحمل أمانة تمثيل كرة القدم المغربية في المحافل الكروية الإفريقية.
هل هذا المشروع موجود اليوم في طنجة بالعمق أو حتى بالنواة؟
أشك أن يكون الأمر كذلك، لأن ما أشاهده اليوم مجرد فورة جماهيرية قد تنجح بفضل قوة الزحف والضغط وحتى التأثير في حمل إتحاد طنجة على تحقيق الصعود للبطولة الإحترافية، ولا يكون الأمر إن تحقق سوى نزوة معاكسة لطبيعة الأشياء فيكون بعدها السقوط حرا، المشروع الرياضي الذي يتمتع بكل عناصر النجاح يحتاج أولا إلى فكر إستثماري وتسويقي ويحتاج ثانيا إلى إستراتيجية توحد الجميع حول إتحاد طنجة ليشعر الجميع بمسؤوليته داخل هذا الفضاء المشترك ويحتاج ثالثا إلى تنزيه بيت إتحاد طنجة من كل شرور الصراعات السياسية التي تنتصر في العادة لأفق ضيق ولمصالح أضيق، صراعات وتجاذبات وتناحرات عطلت بل قتلت العديد من المبادرات.
لا أشك في أن طنجة معقل العلم والوجاهة والنضج والإنفتاح العاقل على الثقافات والحاضرات الأروبية سيعجزها أن تجد من يحمل على عاتقه مسؤولية ضبط المشروع وتنفيذه ليكون إتحاد طنجة في الآتي من السنوات عنوانا لمغرب الحداثة الذي يراهن على الرياضة وعلى كرة القدم لكي تكون وجها من أوجه هذه الحداثة.