نعتب على أن عزيز العامري وثق أكثر من اللازم بمنظومة اللعب المؤسسة على قيم الجمالية، مع أن الأمر كان يفترض أن يكون أكثر وثوقا من إمكانيات لاعبيه الذهنية قبل التقنية والتكتيكية للتقيد بصرامة متناهية بأحكام المنظومة وبأبعاد فلسفة اللعب، فشتان بين أن تلعب كرة جميلة وتحقق بها الهدف الذي تقوم عليه معادلة النجاح في كرة القدم وبين أن تلعب هذه الكرة الجميلة وتجني بها الهزيمة والخراب، وقد كنت دائما ملحا في القول أن ملاءمة النهج التكتيكي مع إمكانات اللاعبين الفنية قبل أي شيء آخر هو ما يحقق النجاح للمعادلة، في وقت ألح فيه كثيرون على أن اللاعبون هم من يجب إخضاعهم لمنظومة وفلسفة اللعب.

ربما كان مصادفة أن تسبق المباراة التي هدت جزءا كبيرا من مقصورة الحلم التطواني، مكالمة هاتفية وصلتني من الإطار الكفء عزيز العامري علق فيها ببعض العتاب المهذب، لما يوجد أصلا بيننا من مودة واحترام متبادل، على ما ضمنته زاوية عدد الخميس الماضي من تصد مباشر لما أدخلته إياه بعض الكتابات والتلميحات بعد تصريحات صدرت عنه في صورة أحكام قيمة حول ثلاثة مدربين هم الزاكي بادو وجوزي مورينيو وكارلو أنشيلوتي.

وإذا كنت إقرارا للحق أؤكد على لسانه بأن ما نطق به العامري لم تكن الغاية منه التنقيص من القيم الفنية والفكرية لهؤلاء المدربين أو لتجريدهم من إنجازات يحفظها لهم التاريخ أو بهدف تلميع الصورة، ولكنه رأي مشروط بزاوية معالجة قد نتفق وقد نختلف عليها.

ولم يكن العامري وهو يحيلني على سنوات خلت كان خلالها فكره التقني يتشكل، لم يكن بحاجة لأن يذكرني بأنه لم يقل يوما أنه هو أدخل التيكي تاكا للمغرب، لأنه يتحفظ على أشياء كثيرة في مبناها التكتيكي، أو ليقل أنه كان على الدوام عاشقا لكرة القدم الشاملة كما جلبها الأسطورة كرويف من هولندا وتحديدا من أجاكس أسطورة السبعينيات من القرن الماضي لاعبا ثم بلورها ببرشلونة مدربا، وكان في ذلك ملهما لكل المدربين الناشئين في تسعينيات القرن الماضي.

ليس بمبدإ التشفي الذي عمل به بعض من أزعجتهم أحكام العامري التي يجب أن نكون ديموقراطيين في التعامل معها من دون أن يجبرنا شيء على القبول بها، أن نقول بأن خسارة المغرب التطواني هي إعلان عن إفلاس منظومة وهي وخز قوي من كرة القدم التي لا يأمن أحد لدغاتها.

أبدا لن تجعل الهزيمة بخماسية أمام الرجاء عزيز العامري يشهر الراية البيضاء إعلانا عن نهاية معركة جميلة مع الإبداع ولن تجعله تحت أي ظرف يرمي بكفاح وتعب السنين في عرض البحر، قد يكون العامري مثل كثير من المدربين شعر بوخز قوي يوقظ الإحساس وبوميض برق يفتح العين على حقائق كانت تحجبها شمس النجاح، وأم هذه الحقائق أن المغرب التطواني خسر في ذلك اليوم أمام الرجاء لأنه لم يكن متمكنا من أدواته التكتيكية ولم يكن مهيئا ذهنيا للسيناريو الذي جاء به النسور ولم يكن يحمل في الوعاء خطة بديلة لمواجهة الطوارئ.

ما شاهدناه من الرجاء هو بذرة موجودة فيه، لفريق يمكن أن يصل بفضل ما يملك من قاعدة بشرية كبيرة ومن خامات فنية ومن تمرس بالمباريات الكبيرة إلى الذروة أحيانا وليس دائما، وما شاهدناه من إنهيار كامل للمغرب التطواني يقول بأن الفريق لم يتحصن بعد ضد السقطات المجانية ولا يملك بمطلق الأمانة ما يجعله في مأمن من التصدعات التكتيكية عندما يصطدم بفرق لها سعار كالذي للرجاء.

هذا ما قصدته فعلا بالدروس التي قدمتها مباراة الرجاء يوم الأحد للمغرب التطواني وبخاصة لمدربه عزيز العامري الذي لا بد أن نعترف له جميعا بأنه شكل في زمن قياسي فريقا بخامات فنية متوسطة فرض شخصيته على البطولة وكان مثالا للإنضباط وإن لم تكن نجاعته قد بلغت مرحلة جد متقدمة، وحتما سيمضي العامري في طريقه مستنيرا بفكره وتجاربه وتعلمه من كل الدروس كما تأمرنا بذلك الحياة.

عموما نحن أسعد الناس بما شاهدناه يوم الأحد في إصطدام الرجاء والمغرب التطواني، شاهدنا مباراة نتمنى لو يكون للبطولة الإحترافية كثير من شبيهها لأن ذلك سيرفع قدرها عربيا وإفريقيا ودوليا، وشاهدنا تدبيرا إحترافيا لقمة جماهيرية كبيرة، وأكثر من ذلك أتاح لنا فوز الرجاء بصرف النظر عن الحصة والطريقة فرصة متابعة جولة أخيرة قمة في الإثارة هي ما سيسمي للنسخة الثالثة من البطولة الإحترافية بطلا وهي ما سيسلم تأشيرة العبور إلى مونديال الأندية وهي ما سيحسم في أمر الفريقين النازلين للقسم الثاني.

............................................

قبل أن تبوح البطولة الإحترافية بكل أسرارها يوم الأحد والأعناق تشرئب لأكثر من ملعب، سنكون قد عشنا النهائي الكبير لأمجد الكؤوس والذي سيلعب للمرة الثانية تواليا بين فريقين ينتميان لنفس البلد، بعد أن كان السنة الماضية بين الباييرن ودورتموند الألمانيين.

بملعب النور بلشبونة البرتغالية سنشهد مساء يوم السبت نهائيا لم يكن يخطر على بال أحد، فإن توقع أكثرنا أن يكون ريال مدريد الذي يطارد منذ أربع سنوات النجمة الأوروبية العاشرة عندما بلغ النصف النهائي وأبدا لم يتجاوزه إلا أخيرا، إن توقعنا أن يصل الريال للشرفة المطلة على اللقب الأغلى، فما توقع أحد أن يكون أثلتيكو مدريد طرفا في هذا النهائي، هو من تحرر منذ سنة على وجه التحديد من بطش الريال عندما إنتزع منه كأس الملك بالبرنابيو وعندما كسر لأول مرة منذ سنوات هيمنة الميرينغي وبرشلونة على لقب البطولة الإسبانية.

لا خلاف على أن ريال مدريد الذي أزاح في طريقه لنهائي لشبونة باييرن ميونيخ الألماني الذي ظنناه سيحتكر اللقب الأوروبي لسنوات، يقدم نفسه في ثوب المرشح الأقوى للقبض على النجمة العاشرة التي تمثل له هاجسا كبيرا، إلا أن أتلتيكو مدريد لن يفاجئ بعد اليوم أحدا إن هو وضع اليدين لأول مرة على الكأس ذي الأذنين الطويلتين، فالمؤكد أن الأتلتيكو إن حقق الإعجاز بالفوز باللقب الأوروبي بعد اللقب الإسباني، فإنه سيكون مستحقا لكل النياشين التي تعلق اليوم على صدره، هو من صاغ ملحمته التكتيكية مدرب شاب هو الأرجنتيني دييغو سيميوني، نذكر جميعا أنه قبل ست سنوات من إعتزاله اللعب كان من طينة السقائين الذين قلما يجود الزمن بمثلهم.

ما بين سيميوني المتعطش للإنتصارات والمسكون بسعار تحقيق الألقاب وبين كارلو أنشيلوتي الساعي لإسعاد جماهير الريال بالنجمة الأوروبية التي يطاردها الملوك منذ عشر سنوات، هناك محاكاة وسجال كروي وتكتيكي بين نجوم كبار وبين فكرين يؤمنان بأن الغاية تبرر الوسيلة، محاكاة ستأخذنا بلا شك إلى قمة الفرجة ومنتهى الفرح.