من يتابع ما يتداعى كل يوم من مزاعم وادعاءات بعضها يقترن بقرائن لا أحد يعلم مدى صحتها حول إسناد تنظيم كأس العالم لقطر سنة 2022 يصيبه مما يسمع الإنزعاج حينا والإرتباك حينا آخر.
الإنزعاج من أن يرمى من الإعلام البريطاني وليس من غيره في توقيتات مدروسة بشكل جيد ما يصطلح عليه قنابل موقوتة تزعم تقديم رشاوى بطريقة أو بأخرى لأعضاء نافذين داخل اللجنة التنفيذية للإتحاد الدولي لكرة القدم ممن رمي بهم إلى الهامش ومنهم سحبت الصفة وممن يهددون السيد جوزيف بلاتير في منصبه كحاكم لإمارة الفيفا التي لا يبدي إستعدادا للتنازل عنه برغم أنه بلغ من العمر عتيا.
أما الإرتباك فهو من حالة الإرتجاج التي باتت تطبع اليوم بيت الفيفا، حيث تحول الإتحاد الدولي لكرة القدم إلى مستنقع كبير به تماسيح فتاكة وبه مياه تعكر صفو كرة قدم، هي الحامي الأكبر للقيم الرياضية.
وسواء كان إنزعاجا أو إرتباكا فإنه من الضروري أن نسجل كعرب قلقنا إزاء هذا الذي يراد به باطلا عندما يرمي بالفضائح جزافا بلا رقيب وبلا حسيب على نيل قطر لحق تنظيم كأس العالم 2022، حق تحصلت عليه الدوحة عندما أقنعت بحسب الأعراف والتقاليد والمحددات المعقدة التي تضعها الفيفا في وجه من يتصدى لتنظيم الحدث الكوني، ونالت بدرجة الإستحقاق العالية عندما شهدت تقارير المعاينة وفرق التفتيش والإفتحاص ولجن تقدير الإرث الإقتصادي والرياضي على أن الملف القطري إستوفى كل الشروط، بل أذكر أن من أعضاء هذه اللجان التي أحصت كل شيء في المرات العديدة التي زارت فيها قطر، من قال بعد الكشف عن قرار الفيفا أن قطر ستنظم سنة 2022 مونديالا من جيل تكنولوجي حديث لا قبل للعالم به اليوم.
وبرغم كل الذي أبدته الفيفا من خلال رئيسها بلاتير من ردات فعل بعد أن تهب كل عاصفة مصطنعة هدفها إشاعة الفتنة، لتجزم بسلامة وعلمية المعايير وديموقراطية الإختيار التي قادت أعضاء تنفيذية الفيفا إلى تفضيل قطر على الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وكوريا الجنوبية واليابان لتكون وطنا لمونديال 2022، إلا أن التصدي شابه ضعف منهجي بسبب أن بلاتير الساعي لتحسين صورته طمعا في ولاية خامسة على رأس الفيفا والساعي، كما هي عادته لحماية مصلحته إلى ضرب منافسيه وزعزعتهم، تتاءب بداية في حسم الخلاف ثم تحول بعد ذلك إلى محرض على الفتنة حتى لا أقول بأنه إستعار صفة البهلوان باللعب على حبلين أو أكثر، فهو جازم تارة أولى بأن قطر نالت شرف تنظيم كأس العالم لسنة 2022 باحترام كامل للأعراف وبتقديم كل الضمانات المتعارف عليها، وهو تارة ثانية حازم في الرد على من نادوا باستحالة إجراء مونديال قطر صيفا برغم ما تعهدت به قطر من تقديم مونديال بأعلى مستويات التكييف، بالقول أن قرار التعديل يعود بالأساس للجنة التنفيذية، وهو تارة ثالثة متنازل عن هذا الجزم بدعوة لجنة فنية إلى فتح تحقيق لعرضه على اللجنة التنفيذية بهدف اتخاذ القرار النهائي، وهو تارة رابعة يعتبر أن إسناد تنظيم كأس العالم لسنة 2022 خطأ لا يتحمل لوحده مسؤوليته وهو تارة خامسة ضعيف الحيلة أمام ما تقذف به الصحافة الإنجليزية من مزاعم عن وجود رشاوى سلمت لأعضاء داخل تنفيذية الفيفا لدفعهم إلى التصويت لصالح قطر، ويكتفي بالرد عليها بأن هناك لجنة فتحت تحقيقات ستنتهي منها اليوم الإثنين وسيكشف عن نتائجها بعد نهاية المونديال بالبرازيل.
مؤسسة بكونية وقوة الفيفا لا يمكن أن تكون بهذه الضحالة في تدبير أقوى الملفات وفي إدارة المصالح العليا لكرة القدم، فمن قبل منا ما رافق تنظيم كأس العالم بالبرازيل والحكومة توجد بين مطرقة الإحتجاجات المتصاعدة من الشارع وسندان التأخر الحاصل في استكمال العمل بملاعب المونديال؟ ومن يقبل بهذا اللغط المتصاعد الذي يصاحب قرار إسناد تنظيم كأس العالم بروسيا سنة 2018 وبقطر سنة 2022 والفيفا ليس لها من حيلة ولا قدرة على إطفاء النيران المنبعثة من حجور الفتنة التي يتأسس بعضها على مقاربات جيو سياسية وبعضها الآخر على حقد دفين للعرب؟ فمن ينسى كيف عومل مسعى المغرب لاستضافة كأس العالم في المرات الأربع وبخاصة يوم إقتصر السباق عليه وعلى جنوب إفريقيا وذهب مونديال 2010 إلى بلاد مانديلا في صورة صفقة سياسية جرى توضيبها وتصميمها بمنتهى الصفاقة.
إن كل هذا السموم التي تنفث دليلا على حقد مغلف بالعنصرية، لا يمكن أن يتصدى لها الإتحاد الدولي لكرة القدم وعلى رأسه جوزيف بلاتير بهذه الهشاشة وبهذا اللعب المحرم بالكلمات وهذا التضارب لحد التناقض في المواقف، فبلاتير مسؤول أكثر من أي عضو داخل لجنته التنفيذية عن حماية القرارات التي صدرت عن الفيفا، الحماية التي تحظر التخبط واللعب على الحبلين والحماية التي تحفظ لقطر كرامتها وكبرياءها أمام كل هذه الإدعاءات المغرضة التي تروج عنها لتصفية حساب مباشر مع بلاتير الذي يعرف كلنا أنه أساء كثيرا للأنجليز عندما مسهم في كبريائهم.
إن بلاتير وكل صناع القرار في كل الهيئات المنظمة لكرة القدم عالميا وقاريا وجهويا، من الذين زاروا قطر وقفوا على ما يبذله هذا البلد العربي من جهد خرافي ليعطي للعالم بعد 8 سنوات من الآن كأسا عالمية خرافية، فيحق بالفيفا أن لا تكون ناكرة للجميل.