على نحو سيء للغاية إفتتح المنتخب الكاميروني موندياله البرازيلي وهو يخسر مباراته الأولى أمام المكسيك ويضرب في الصميم الكثير من آماله في الإرتقاء إلى الدور الثاني، هو من أوقعته القرعة إلى جانب المنتخبين البرازيلي والكرواثي وهو من لم يكن مسموحا له على الإطلاق أن يترك النقاط الثلاث تذهب كاملة لأصدقاء جيوفاني دوس سانطوس.

وقد كنا نمني النفس والمنتخب الكاميروني يدخل المباراة محتميا بدفاعه، مفكك الخطوط ومرتعش الأداء الجماعي أن يتحسن الأداء الجماعي بالتدريج إلا أن ذلك لم يحدث، إذ أمكن المنتخب المكسيكي المتمتع بقدرة رهيبة على تنويع الأداء والتنشيط الهجومي والدفاعي لشاكلته 3ـ5ـ2 التي تتيح عبر تنويعات كثيرة فرصة الإغارة على دفاع المنتخب الكاميروني تارة أولى بالإختراقات الجانبية وتارة ثانية بضرب العمق الدفاعي وتارة ثالثة بالمناداة على الكرة في ظهر المدافعين، ولولا أن الأمطار الغزيرة التي لم تتوقف على طول المباراة لم تساعد أحيانا على التمرير الجيد للكرة لكان المنتخب المكسيكي قد بكر بالتسجيل برغم أنه توصل إلى توقيع هدفين خلال الجولة الأولي بواسطة دوس سانطوس رفضا لتسلل كان ثانيهما غير صحيح.

وبينما كان الدفاع الكاميروني يشكو من بطئ كبير فإن الأمر إنعكس أيضا على البناء الهجومي إذ لم يكن إنتقال المنتخب الكاميروني من الحالة الدفاعية إلى الحالة الهجومية يتم بسرعة كبيرة، على النقيض تماما من المنتخب المكسيكي الذي أجاد تنشيط المنظومة التكتيكية إن دفاعا وإن هجوما وإن لم يكن قد أنهى الجولة الأولى متقدما، فإن ذلك كان من سوء حظه ومن حسن حظ المنتخب الكاميروني الذي تفاوت أداء أظهرة الدفاع بداخله ولم نستوضح جيدا الأدوار المناطة برجال الوسط الإرتدادي منه والهجومي ولم نعرف لماذا ترك عميده ومهاجمه صامويل إيطو معزولا.

هذه الأسود غير المروضة التي غادرت الكاميرون صوب البرازيل على وقع شد الحبل مع الجامعة الكاميرونية للمشاكل الأزلية التي لها طبيعة مالية، لن تتمكن بأي حال من تحسين أدائها الجماعي، إذ واصلت اللعب بصورة مشوشة ومضببة ما سمح للمنتخب المكسيكي بأن يزيد من ضغطه ويعدد من الإختراقات إلى أن تمكن من خلال بناء هجومي غاية في الروعة من توقيع هدف المباراة الوحيد وهدف الفوز بعد أن توصل دوس سانطوس بكرة كسر بها العمق الدفاعي الكاميروني ليسدد والحارس الكاميروني إيتاندجي ينقذ ولكن هذه المرة بيرالتا في المكان المناسب يسجل.

تقدم منطقي وعادل لمنتخب المكسيك الذي قدم نفسه في صورة المنتخب المتوازن ولو أنه أساء التعامل مع الدقائق العشر الأخيرة التي تلت هدفه الأول، إذ سيترك المبادرة للمنتخب الكاميروني الذي غالب نفسه وحسن أداءه بفعل الإرهاق الذي لحق لاعبي المكسيك وبفعل الانجذاب الطبيعي إلى الخلف لحماية السبق، إلا أنه في غياب نهج واضح ومتدرب عليه فإن أصدقاء صامويل إيطو سيعجزون عن التهديف برغم الفرصتين الواضحتين لكل من إيطو وشوبو موتينغ.

وبقدر ما يقوي الفوز في أول مباراة من حظوظ أبناء الأزتيك فإنه ينال كثيرا من حظوظ المنتخب الكاميروني الذي يحتاج إلى الفوز ولا شيء غيره عندما يواجه في مباراته الثانية منتخب كرواتيا، فوز يحتاج منتخب الكاميرون لتحقيقه إلى وجه تقني وتكتيكي مختلف تماما عن الوجه الذي قدمه أمام منتخب المكسيك.

فهل نطلب من أصدقاء صامويل إيطو مستحيلا؟

 .......................................................................

إلى البرازيل نرحل بكل قلوبنا مع خضر الجزائر، نضغط على ما فينا من حسرة وقد ساءت الأحوال ولم يعد صدر المونديال يتسع سوى لسفير وحيد يحمل بإصرار جميل أوراق الإعتماد ليخوض باسم أمة كاملة معركة كروية ضارية، ونتزود بأمل أن ينجح ثعالب الصحراء في أخذنا إلى دروب الفرح والبهجة التي إنمحت من مدننا الكروية، كما أخذتنا في عقود ماضية منتخبات عربية إلى ما بات اليوم ينعث بالإليادات الكروية.

في مثل هذه الأيام من سنة 1986 ببلاد حضارة الأزتيك كتب أسود الأطلس المغاربة ملحمة كروية خالدة وهم يحصلون على شرف التأهل كأول منتخب عربي للدور الثاني من المونديال بعد أن تصدروا وقتها ما سميت بمجموعة الموت، متعادلين أمام الأنجليز وأمام بولونيا بلا أهداف ومكتسحين منتخب البرتغال بملامحه البرازيلية بثلاثة أهداف لهدف، قبل أن يتوقف السفر الرائع في الدور ثمن النهائي أمام الماكينات الألمانية، حيث كانت هزيمة المنتخب المغربي في مباراة بطولية بهدف المدفعجي لوثار ماتيوس قبل دقيقتين من نهاية الوقت الأصلي.

ثمان سنوات بعد هذه الملحمة المغربية سيحملنا الأخضر السعودي على أجنحة ذهبية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهو يتأهل لأول مرة في تاريخه لنهايات كأس العالم لينسج على منوال أسود الأطلس ذات الأسطورة، ويرتقي بطريقة ولا أروع إلى الدور الثاني متحديا قمما كروية كبيرة، فبعد خسارة أمام هولندا، صنع الأخضر السعودي فوزا ملحميا على أسود الأطلس وأتبعه بفوز آخر على المنتخب البلجيكي، لتتوقف الرحلة التي ما ظن أحد أنها ستكون بهذه الروعة عند حاجز الثمن بخسارة زملاء الفنان سعيد العويران أمام السويد بثلاثة أهداف لهدف.

هل في المنتخب الجزائري الذي يصل نهائيات كأس العالم للمرة الرابعة في تاريخه وللمرة الثانية تواليا ما يقول بأنه قادر على إنجاح التحدي وكسب الرهان التاريخي بأن يكون ثالث منتخب عربي ينجح في عبور حاجز الدور الأول؟

عندما نطالع تركيبة الأخضر الجزائري ونستقرئ درجة التطور التي بلغها الأداء الجماعي والروح الإنتصارية التي ألبسه إياها المدرب البوسني وحيد خاليلودزيش، وما يفترض أن يهيئه محيط البطولة من عناصر محفزة، نثق بأن لهذا المنتخب القدرة على أن يفرض نفسه كرقم صعب في معادلة السباق على بطاقتي الترشح للدور الثاني داخل مجموعة وإن إختلفت فيها المدارس الكروية فإنها تبقى الباب مفتوحا على مصراعيه أمام كل قوة كروية ناشئة لتفرض ذاتها.

ولأن المنتخب الجزائري سيفتتح الطريق نحو الملحمة المنتظرة هذا الثلاثاء بمواجهة شياطين بلجيكا، فإن منطق الإرتقاء وضرورة الحفاظ على كل الحظوظ قائمة لمواجهة الإعصارين الكرويين المتبقيين أمام التنين الكوري والدب الروسي بثقة أكبر في القدرات يفرض تجنب الهزيمة قدر الإمكان، والأمر لا يحتاج بحسب ما إستطلعته في هذا المنتخب البلجيكي وأنا أشاهد بعضا من ودياته إلى معجزة، بقدر ما يحتاج إلى إيمان كبير بالقدرات وإلى تدبير جيد للمباراة بمناطقها الساخنة والباردة على حد سواء وإلى تفادي كل حالات الشك والإهتزاز التي تصيب أكثر منتخباتنا العربية في نزالات المستوى العالي ليس بسبب تفوق الخصوم ولكن بسبب إهتزاز الثقة في النفس.