يختلف كثيرون معه حول طبيعة الزيارة التي يقوم بها خلال شهر سيتحول فيه الناخب الوطني لابن بطوطة أو مكوك يجوب غرب القارة الأوروبية بداية وينهيها بشرقها.
لا ينظر الخبراء لهذه الزيارة بعين الرضا لعلمهم أن «الخابية» لا يجب أن تبحث عن «الغراف»، وعلى أن كبرياء ناخب أو مدرب لمنتخب وطني علا أو دنا شأنه، يجب أن يعلو ولا يعلى عليه مهما كان أسم المحترف المعني باللقاء والزيارة.
الزاكي عكس الآية، فقرر السفر لحدائق هولندا بحثا عن وردة قد تفوح منها رائحة زكية تعيد لمزهرية الأسود عبق الخزامى المفقود منذ مدة.
وبعدها يسافر لإنجلترا ليغطس في ضباب لندن بحثا عن شماخ 2004، وينهي حلقات الوصال مع المحترفين بحثا عن مهند القادر على وضع آخر سطر في سنوات ضياع المنتخب الوطني الباحث عن هويته.
حدثني مدرب مخضرم ممن عركتهم سنوات الممارسة بشيطنة بالغة في محاولة خبيثة وإشارة ماكرة، وهو يستفزني بسؤال لم أعثر له على جواب «هل سمعت مرة عن برانديلي سافر يوما خارج إيطاليا لملاقاة لاعب محترف لتمثيل الإسكوادرا؟».
هل قرأت يوما عن رحلة لديلبوسكي أو ديشان أو كابيلو الذي لعب بمنتخب روسي كله من روسيا؟
عُرف لا أعلم إن كان بدعة منكرة أو هو من صميم توابل المنصب، أنه كلما تعاقدت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مع ناخب وطني، يبادر الأخير لتدشين حضوره بزيارات لبطولات أوروبية للقاء هذا والتواصل مع ذاك؟.
وبعد أن أصبحت كل البطولات الأوروبية وحتى تلك التي تلعب بالمريخ متاحة أمام نقرة على الريموت كونترول، أصبحت هذه الزيارات عديمة الجدوى، بل فيها تنقيص وتبخيس لقيمة وهيبة الناخب الوطني الذي يجب أن يكتفي بدور واحد وهو إعلان قائمة الأسماء وعرضها على الجامعة للتواصل إحترافيا مع فريق اللاعب المرغوب فيه، وإن اقتضى الأمر في حالات إستثنائية التواصل عبر هاتف مقدم الدفع والفاتورة من طرف نفس الجامعة، وكفى الله الجميع شر الزيارات.
الزاكي الذي دشن عودته بزيارة لم تؤت كامل أكلها لإيطاليا، حين أثيرت زوبعة تاعرابت والتي ما تزال تدور في فنجان الـمنتخب الوطني ويعلم الله وحده منتهى حكاية، هناك من يحاول كل مرة النفخ على جمرها الراقد كي تشتعل وانضاف لها رفض كونكو أو تردده بشأن قدومه لتمثيل المنتخب الوطني، والحسنة الوحيدة كانت لقاء بنعطية والتواصل معه وتعيينه قائدا وعميدا جديدا ورسميا للأسود.
لا أعتقد أن الزاكي بالغباء والجهل الكبيرين الذي يجعله ينطلق صوب أوروبا شمالا ويمينا، لمتابعة أداء لاعبين بالكاد هم في مرحلة «الروداج»، لأنه ليست هذه هي غايات هذه الزيارات، بقدر ما يروم الزاكي بذكاء كبير استباق المواعيد الودية القادمة، حيث سيغلق على نفسه في الفترة القادمة، فيزهد في الخروج من المغرب، وذلك لوضع عدد كبير من المحترفين المشكلين لنواة الكومندو الجاهز في مخيلة وفكر المدرب في القالب والصورة فلا تحدث مفاجآت في القادم من الأيام.
الزاكي لم ينتقل ليراقب المهارات الفنية التي يعرف أدق تفاصيلها عن كل اللاعبين المغاربة المحترفين بأوروبا، لكونه يعلم علم اليقين أن الكرة المغربية لن تلد ميسي جديد بين عشية أو ضحاها، ولن تخرج لنا من رحم هذه البطولات أيقونة قد تقلب سافل الـمنتخب الوطني على عاليه، سفره فيه سبعة فوائد وفيه الكثير من المقاصد والغايات وأبرزها أنه رحل ليقول لكل من التقاه «هذا برنامجي وهذه شروطي».
لقاء الزاكي بكل الوجوه التي نعرفها ربما حتى أكثر منه طوال كل السنوات التي مارست فيها بالخارج، أعاد تصحيح علاقة الناخب باللاعب وحاول من خلالها الزاكي نسف ما يقوم به بعض الوسطاء ووكلاء أعمال اللاعبين الذين يلعبون دور «الوسواس الخناس».
لذلك لا يبدو أننا نحتاج اليوم لاكتشاف معجزة كروية ستولد بأوروبا لتمنحنا اللقب الإفريقي الذي كان بابا أول من رمى بها لخزانة الجامعة بقدمه الدكالية التي عركتها ملاعب الطين والرمل.
رسائل الزاكي التي مررها من وراء قيامه بهذه الزيارات المتلاحقة والسريعة جدا هو كونه يريد أن يقول لكل من التقاهم «اللهم إني قد بلغت»، تبليغ ميساج رجل لرجل قبل دخول الرهان الموعود الذي يحتاج فيه فعلا لرجال أكثر من حاجته لمحترف يتألق رفقة فريق بمعسكره الإعدادي ثم تنطفئ شعلته بمجرد حمل القميص الوطني.