إطلاقا، لا نية لي لأسيء الظن بهذا الذي يحدث للفريق الوطني كلما كان على أعتاب مباراة ودية من غيابات إضطرارية للاعبين وازنين، شئنا أم أبينا هم قاعدة إن لم أقل هم أساس النواة الصلبة التي يمكن أن يؤسس عليها الناخب والمدرب الوطني الزاكي بادو منظومة اللعب، ونحن على بعد أربعة أشهر من كأس إفريقيا للأمم.
لا نية لي لأعتم بعض الذي بقي مضيئا في عرين الفريق الوطني، ولا نية لي لكي ألتمس الأعذار مسبقا لأي إخفاق محتمل، ولكنني أتحسر حتى لا أقول أعجب لهذا الذي تفرضه الظروف كرها على الفريق الوطني وهو على مقربة من محك تجريبي نجزم على أنه ليس محكا ترفيهيا وعلى أنه محطة أساسية في تجهيز الفريق الوطني فنيا وتكتيكيا ونفسيا لرهان كروي كبير وخطير، والحسرة قبل العجب من أن الفريق الوطني كان يحتاج في مباراة الأمس أمام العنابي القطري وفي مبارة يوم الأحد القادم بمراكش أمام منتخب ليبيا إلى كل الأسطول البشري المنتقى من الزاكي بادو باحترام كامل للمعايير الفنية المتعارف عليها دوليا، ليكون الإفتحاص الفني مكتملا ولكي يتقدم الفريق الوطني خطوات في بناء تشكيله وتوابثه ولكي يتمكن الناخب الوطني من قياس درجة التلاحم التي وصلتها المجموعة الأساسية ومن ضبط درجة إستيعابها أيضا للمحتوى التكتيكي الذي يقوم عليها فكره وفلسفته الفنية.
كنت أرى في مباراة روسيا التي خاضها الفريق الوطني بموسكو أمام منتخب هو من مرجعيات كرة القدم الأوروبية، فرصة ليمتحن الزاكي أسلوب لعبه بعمقه وثوابته ومتغيراته وليتقدم خطوات في هندسة أسلوب اللعب والإقتراب أكثر من النواة الصلبة، إلا أن الغيابات الإضطرارية لكل من المهدي بنعطية الذي ترك يومها لحسم مستقبله الإحترافي ولمروان الشماخ الذي توافق الزاكي مع مدرب كريستال بالاس على تركه بعيدا عن التنافسية تحضيرا لموسمه الجديد وعبد العزيز برادة الذي دخل وقتها بيت الزوجية ونور الدين أمرابط وزكرياء بركديش، عطلت المسعى وأحالت المحك الودي إلى مجال لاختبار البدائل، وبالأمس جاءت مباراة قطر محمولة على نفس الهم، غياب لما لا يقل عن سبعة عناصر يوجد بينها خمسة عناصر تستطيع أن تكون قاعدة للتشكيل الأمثل الذي يوجد في فكر الزاكي.
قطعا مثل هذه الغيابات الإضطرارية متى عرف سببها ليبطل العجب وما عداه من تأويلات وتغليط للرأي العام، يمكن أن تكون مثل الضارة النافعة، أي أن تمكن لاعبين آخرين ممن وثق الزاكي بإمكانياتهم الفنية واطمأن لحوافزهم المعنوية من الظهور على مسرح الأحداث للمنافسة على الأساسية وليس فقط لإثباث الجدارة بلعب دور البديل والغيار الإحتياطي.
وأستطيع أن أتفهم مدى حسرة الزاكي هو من يهضم جيدا عمل الناخب الوطني وضرورة الركون إلى قاعدة موسعة، على أنه لم يتمكن في ظرفية دقيقة من زمن التهييء للإستحقاق القاري من الحصول على كافة أسلحته البشرية ليستثمر المواجهتين الوديتين أمام منتخب قطر التي لعبها بالأمس وأمام منتخب ليبيا التي سيلعبها الأحد القادم على النحو الأفضل، أن يقوي جماعية الأداء وأن يقترب من التشكيل الأساسي وأكثر من هذا وذاك أن يجرب أكثر من أسلوب لعب واحد، فالمحكات الودية لا تؤتي أكلها الفني الذي لا يتذوق طعمه إلا المدربون، إلا إذا مكنت هؤلاء المدربين من تجريب العديد من المتغيرات التكتيكية التي غالبا ما يجري تطويعها والإستئناس بها للجوء إليها وقت الشدة في المباريات الرسمية والتي لا تقبل بالإرتجالية ولا بمتغيرات الصدفة.
موقن إذا أن مباراة الأمس أمام العنابي القطري كانت لها دروسها وكانت لها أفضالها الفنية والتكتيكية والمعنوية، كما ستكون للمباراة الودية الثانية أمام منتخب ليبيا فوائد وأفضال ودروس، ولكنني متحسر مثل الزاكي ومثل أي ناخب وطني آخر يعيش نفس الإكراه على أن الفريق الوطني مر بمرحلة دقيقة في مسلسل تحضيره من دون أن ينال كل ما كان يتمناه..
.....................................................................................................................
إن كان الإطار حسن بنعبيشة الذي توضع على أكتافه أمانة الوصول بالمنتخب الأولمبي إلى أولمبياد ريو دي جانيرو يالبرازيل بعد سنتين من الآن، قد وقف عند وجهين متناقضين أبان عنهما منتخبنا الأولمبي في وديته التي جمعته بالمنتخب الأولمبي المصري بملعب فاس أول أمس وانتهت بتعادل مثير، إن كان قد ربط التناقض بين الوجهين بالتفاوت الحاصل بين لاعبين أساسيين ولاعبين آخرين بدلاء، فإنني أرى في تناقض الوجهين وفي إهدار المنتخب الأولمبي لفوز كاسح وعريض أمام منافس أكره على اللعب لأزيد من ستين دقيقة منقوصا من لاعب واحد، ما يفسر ما كنا نذهب إليه دائما من أن اللاعب المغربي يفتقد في مراحل التكوين الأساسية إلى موجبات اللعب الإحترافي القائم على الإنضباط وعلى الإلتزام بالحد الأدنى للواقعية التي تجنب السقوط في الإستعراض الفردي المفضي إلى الرعونة والذي يمقته كل مدربي العالم.
لن يقنعني حسن بنعبيشة بأن ما شاهدناه من لاعبي المنتخب الأولمبي لم يكن فضحا وتعرية للعديد من الأعطاب الفكرية ولم يكن تعبيرا عن نواحي قصور كثيرة ومن معطلات لا تسمح بأن تعبر الموهبة الفردية عن نفسها بطريقة جيدة، أي أن تكون موجهة بالأساس لخدمة الجماعية ولخدمة الفريق.
كان التعادل الذي إصطاده المنتخب الأولمبي المصري نتاج إيمان وثقة بالمقدرات بالرغم من النقص العددي، ولكنه كان أيضا نتاج ما أظهره لاعبو منتخبنا الأولمبي من رعونة مبالغ فيها ومن خروج فاضح وغير مبرر عن روح اللعب الجماعي وعن مستلزمات الواقعية، وإن لم يكن بنعبيشة صارما في علاج مثل هذه الأورام المشوهة للمبنى التكتيكي، فالأكيد أن الفريق سيخسر على الملعب بأخطائه وتهوره ورعوناته أكثر ما يخسر بقوة أداء المنافس، وقد يجد نفسه لا قدر الله مقصيا من الألعاب الأولمبية بفعل يده وليس بفعل من يلاعبه، وعندها لن ينفع الندم.
أتمنى أن أشاهد المنتخب الأولمبي المغربي في وديته الثانية أمام الأولمبي المصري يوم السبت المقبل خاليا من كل العيوب التكتيكية والفكرية التي تحدثت عنها، ولو أنني أطلب مستحيلا لأن مثل هذه العيوب الخلقية والتكوينية لا تزول بين عشية وضحاها.