الجمهور المغربي خاصة والعربي عامة متقلب ومزاجي، لا يملك عادة خاصية التأني والصبر، ويتسرع في إطلاق الأحكام سواء السلبية أو الإيجابية، ولا يتميز غالبيته بميزة الواقعية، فتراه شديد التفاؤل والثقة فور أي إنتصار، وكثير السخط والتشاؤم عقب أي تعثر، وأحيانا يقسو وينتقذ إذا غابت الطريقة والإقناع، وهي خاصيات فريدة قليلة التواجد في أوروبا إمبراطورية الكرة وغرب آسيا أكاديمية المنطق والروح الرياضية.
 غالبية الجمهور المغربي إستاء وجلد الأسود وتوقع لهم الإقصاء بعد الإنتصار الأول العسير على ناميبيا، لكن نفس الفئة تحولت إلى ساحة التهليل والرقص والتكهن المبكر بربح اللقب عقب الفوز الثاني على الكوت ديڤوار، وغيرت لغة السخط بكلمات الإشادة والتنويه، رغم أن النهج التكتيكي للفريق الوطني لم يتغير في اللقاءين مع بعض الرتوشات التقنية البسيطة والتعديلات في وسط الميدان.
 للأسف كرة القدم لعبة غدارة ومتقلبة ولا تؤمن بغير الأهداف، والجمهور كثيرا ما لا يفهم أن «الجلدة» إذا عاندت فإنها لا تُطيع حتى لو كنت أكثر مهاريي العالم، وأهم شيء في أي مباراة أو بطولة هو الفوز بأي وسيلة ممكنة، ولا تهم بتاتا الحصة ولا الإقناع، وإنما النجاعة الهجومية والحصانة الدفاعية، والأكثر من ذلك الحظ ثم الحظ.
 التقلب على مستوى الآراء والإنسياق وراء الحديث عن ظفر الأسود باللقب الإفريقي أمر في غاية المزاجية وعدم التعقل، لأن الأداء الجيد الذي ظهر به زملاء أمرابط ضد الفيلة قد يكون خادعا وغير كاف، إذا ما سقطوا في نتائج سلبية أو مستويات متباينة وغير مقنعة في اللقاءات القادمة، أولها مباراة جنوب إفريقيا المصيرية لحسم صدارة المجموعة وتكريس القوة والسيطرة.
 أن تعبر دور المجموعات بتسع نقاط لا يعني أنك ستذهب بعيدا في البطولة وستصعد إلى منصة التتويج، وأن تمتع المتتبعين وتطرب العشاق بمستوى تقني مميز لا يعني أنك الأحق والأولى بإنتزاع الكأس، ولو كان الأمر كذلك لكان الفريق الوطني بطلا في أكثر من دورة إفريقية سابقة تألق فيها وخرج بخفي حنين، ولكان قد وصل إلى ثمن أو ربع نهائي كأس العالم بفرنسا 1998 وروسيا 2018، حينما كان أفضل منتخبات مجموعته على أرضية الميدان، لكن النتائج والجوائز النهائية جاءت عكسية.
غياب المنطق ومفاجآت الكرة وغدرها يعيدنا إلى الأمس القريب لإستحضار كيف فازت البرتغال بكأس أوروبا 2016 وهي التي كادت أن تودع البطولة من الدور الأول، حيث عانت بشدة ولم تنتزع ورقة التأهل إلا كثالث المجموعة وبرصيد 3 نقاط من 3 تعادلات، قبل أن تقطع المشوار بعدها بنجاح وسلسلة من الإنتصارات في غياب تام للإقناع والفرجة، وتتمكن في النهاية من التتويج باللقب الذي قال عنه الكثيرون أنه غير مستحق، والأمثلة كثيرة وغزيرة على حالات وسيناريوهات في العديد من البطولات، وآخرها إقصاء منتخب الأوروغواي نهاية الأسبوع الماضي من كوبا أمريكا بالبرازيل، وهو الذي كان أفضل منتخبات الدورة أداء وكمالا في الملعب، بيد أن الحظ عاكسه وحكم على الأحسن بالنهاية الحزينة.
 خلال كأس إفريقيا الحالية بمصر قد تحدث عدة مفاجآت مدوية إنطلاقا من الدور الثاني، ومن تصدر مجموعته وحتى بالنقاط التسع قد يخرج مبكرا وفي ثمن النهاية، ومن عبر كثالث المجموعة وبمشقة الأنفس قد يصل إلى النهاية ويربح الكنز، وبالتالي لا يجب التسرع بالحكم على الأسود وثعالب الصحراء وفراعنة مصر ووضعهم في خانة المرشحين والضغط عليهم، كما لا يجب أيضا الحكم على نسور قرطاج والنجوم السوداء بالضعف وهي التي عجزت عن الفوز ولم تقنع وتعثرت أكثر من مرة.
 مهلا على أسودنا وعلى مشوارنا، لا نقصف ولا نبالغ في الثناء، فلنناقش مباراة بمباراة ولا نقع في التحليل الكثير الفارغ والفهم أكثر من اللازم، إذا كان البعض يريد الفرجة والإنتصار أداء ونتيجة، فليعلم أنه لا يفيد في شيء في هكذا بطولات متقلبة، ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح، والصحيح هو الأهداف والفوز ومعانقة التتويج، والذي وحده من يبقى عالقا في سجل التاريخ.