لا غرابة أن تطالب فئة كبيرة من الوداديين بالتعاقد مع مدرب صن داونز بيتسو موسيماني، والذي زار مجددا الدار البيضاء لينسج خيوط وصال وغرام مع الفريق الأحمر بجميع مكوناته، وخاصة جمهوره الذي بات يتبادل معه قصة حب علانية مثيرة.
أثارتني الخرجات الإعلامية للرجل قبل وبعد المباراة ضد الوداد، وسحرتني لقطاته وهو يأخذ فيديوهات وسيلفي مع «وينرز» ويتفاعل معهم بالأهازيج والتحية، وكأنه عضو من أعضاء هذا الفصيل الذي بات يسلب عقول الخصوم قبل الرفاق، ويجعل كل ضيف على الوداد يصر على الحديث عن الجمهور بعفوية وإشادة وروح رياضية عالية، بعيدا عن أجواء التعصب والإحتقان وصب الزيت على النار.
أن تصف بصدق فريقا منافسا بالعائلة، وتلعب معه كرة مفتوحة قمة في الجمالية، بل وتصفه ببطل إفريقيا الحقيقي في رسالة مباشرة للكاف، وتنعت جمهوره بالظاهرة الخرافية، وترتبط بعلاقات صداقة متينة مع مسيريه وإدارييه ولاعبيه، وأنت الطرف الخصم في الوقت نفسه، فهذا درس في الكرة والأخلاق والأهداف الحاسمة التي يتم تسجيلها خارج حلبات المنافسة، حيث المباريات الحقيقية التي تحقق المساعي النبيلة للرياضة وكرة القدم، بعيدا عن لغة التهديد والوعيد، والتهييج وإشعال نيران الفتن.
موسيمان الذي يعتبره الكثيرون أفضل مدرب إفريقي محلي في آخر 3 سنوات، إستطاع أن يجذب تقدير وإحترام الجميع بعدما جعل من صن داونز أفضل فريق قاري يلعب كرة قدم مفتوحة وهجومية، ويوصله إلى منصات التتويج والبطولات العالمية، وهو النادي الذي لم يدخل عالم الإحتراف سوى عام 1996، ليتحول في ظرف وجيز إلى عملاق إفريقي، ويصير في السنوات الأخيرة برازيل القارة، بفضل فلسفة وعقلية وحكامة هذا الرجل العصامي المتشدد، والذي ولج ميدان التدريب الإحترافي في سن 36، ليبحر حاليا مع السفينة الصفراء بطريقة رائعة وإستثنائية للموسم التاسع على التوالي.
إستحضرت وأنا أشاهد ما فعله موسيماني بمركب محمد الخامس مع جمهور ولاعبي الوداد، بعض المشاهد العالقة بذهني لبعض المدربين المغاربة الذين خلقوا سابقا الحدث في مناسبات متفرقة، بلقطاتهم المقرفة مع الجماهير والتي جمعت كل أشكال الإنحطاط الأخلاقي والهيجان والألفاظ النابية، والحركات المشينة الممنوعة على الكبار قبل الصغار، والمثير أنها حدثت أكثر من مرة مع جمهور الفريق المساند وليس الخصم، في شنآن وشجار سوقي هاوٍ وشعبوي، لا يقلل شيئا من قيمة المشجعين، بقدر ما ينزل من أسهم المدرب الذي يتحول بسهولة من مربي إلى مجرم أخلاق يُستحب سجنه في بيته، وإعادة تكوينه نفسيا ورياضيا ليُلائم المنظومة المتأسسة على إحترام النفس قبل إحترام الآخرين.
أن تأتينا الدروس من قارتنا هذه المرة وأقصى جنوبها في طريقة التعامل مع الجماهير المؤازرة كما المعادية، وأن يمنحنا مدرب معلم إسمه موسيماني بيتسو كيفية الحديث عن الخصوم والتودد إليهم إعلاميا والتقرب منهم عائليا، ثم يلقننا ميدانيا آخر طراز المناهج التكتيكية الفعالة دون توجس ولا مبالغة في الدفاع والإحتياط خارج القواعد، فهذا يستفز حقا بعض أطرنا ومدربينا الرحالة الجافين والمزاجيين والمشاغبين، ويجعلننا نقف لتبادل تحية خاصة مع هذا الرجل الخلوق والمحترف الفنان والخصم الولهان، والذي يستحق فعلا أن يبرم عقد زواج شرعي في يوم من الأيام مع وداد الأمة.