كرة القدم كما الحياة متقلبة ولا يدوم حالها، فاليوم السعادة والنجومية والتطبيل، وغدا الحزن والجلد والإختفاء، في سيناريوهات باتت مألوفة في جميع الملاعب العالمية، خاصة عندنا في المغرب حيث الأمواج العاتية من المزاجية وكثرة التغيرات والإنقسامات.
 ما يصنعه المدربون واللاعبون في ظرف سنوات قد يرتطم بحائط الجحود في رمشة عين، وبسبب هزيمة أو فرصة ضائعة، وكل ما تغنى به الأنصار وهللوا له قد يتحول فجأة إلى سب وشتم ومس بالكرامة، نظرا لعقلية المشجع والمسؤول العربي والمغربي الضعيف الشخصية والذي يتأثر بسرعة، فيتسرع في إتخاذ القرارات أو يدخل في حرب علانية ملأى بالعناد، متناسيا كل ما قدمه هذا اللاعب أو المدرب للفريق وما ساهم فيه من ألقاب وتتويجات.
 زعماء الكرة الوطنية كالوداد والرجاء والجيش لا يضربون المثل عادة في طريقة طلاقهم مع نجومهم ومدربيهم، حيث يبخسون من قيمتهم في جل الأحيان ويقللون من شأنهم، ويفتحون لهم في النهاية الباب الصغير الخلفي للخروج، بعد وضع الأشواك والعراقيل والمسامير، والتي يضطر معها طالب الرحيل إلى التوسل ودس كرامته لتمكينه من فرصة العيش خارج البيت الذي شرب من حلوه ومرّه.
 ما يحدث حاليا مع محمود بنحليب مغبون الرجاء ومحمد نهيري المغضوب عليه من الوداد، يعيد إلى الواجهة المعاملات السيئة والظالمة أحيانا التي يلقاها بعض اللاعبين من المسؤولين، فبنحليب إبن القلعة الخضراء والمهاجم الموهوب الذي قل نظيره داخل المغرب، أحس بجميع أنواع الظلم والإجحاف وصبر طويلا قبل أن يتمرد لتحسين وضعيته المالية، ويطالب بعقد إحترافي محترم يساوي أو يقل عن ما هو معمول به مع زملائه، لكن مساعيه ومطالبه المتكررة لتحسين وضعيته الإجتماعية الهشة قوبلت بالرفض، ليتم الترويج له من قبل الإدارة والمدربين وفئة عريضة من الجمهور بالإبن العاق والرجل الطائش واللاعب الذي يسمم الأجواء، متناسين أنه يموت حبا في الأخضر ولم يطالب سوى بحقه الذي يريحه ويحفزه على العطاء، ليضطر في الأخير إلى توقيع طلب الإنسحاب ومغادرة البيت، نظرا لسوء المعاملة من الآباء والتمييز بين الأبناء.
 وفي إنتظار الطلاق الخلعي الرسمي المحزن لمحمود مع ناديه الأم، يأتي نهيري كحالة مغايرة كونه مغضوب عليه بسبب الأداء والتهور الدفاعي في الديربي العربي أمام الرجاء، ومعاقب عن قصد لأسباب أخرى جانبية رياضية وشخصية، إضافة إلى رفضه تمديد عقده المنتهي بنهاية الموسم الجاري، ليجد نفسه منذ زهاء شهر تائها ومتجولا في غابة بوسكورة حيث يتمرن وحيدا، بعدما شعر بالظلم والتبخيس من قيمته بإلحاقه بالرديف وإبعاده لأجل غير مسمى، وهو الذي كان إلى وقت قريب نجم الفريق الأول والهداف المرعب الذي أهدى للوداد الكثير من الإنتصارات في أصعب اللحظات، وساهم بشكل مباشر في ما حُصد من جوائز وألقاب وطنية وقارية.
 بنحليب ونهيري ليس وحدهما من سيغادران عاجلا أم آجلا خشبة المسرح من الباب الصغير، تحت صافرات المتفرجين بعدما رقصوا وتغنوا ببطولتهما وأهدافهما، فهناك العشرات بل مئات النجوم الذين عاشوا نفس القصص والمعاناة في مشاهد الختام مع أنديتهم، وإشتروا أوراقهم بالملايين وتنازلوا عن مستحقاتهم في سبيل حريتهم وراحتهم، وكل ما تلذذوه من نشوة الأفراح والبطولات وسماع أسمائهم في أغاني المدرجات، تحول إلى جحيم وسخط وقذف وإنكار للمجهودات والتضحيات المقدمة.
 على اللاعب والمدرب اللذان يستفيدان عادة ماليا وكرويا في أبرز محطاتهما الإحترافية وخاصة داخل الأندية الكبرى والرائدة، أن يعيشا اللحظة فقط ويستمتعا بها شخصيا ويمتعا الجماهير، ويضعا دائما في الحسبان أنه سيأتي يوم سيتنكر لهما الكثيرون، وسيتناسى المشجعون بذاكرتهم الصغيرة كل ما قدموه، قبل أن يتدخل المسؤولون بظلمهم أو أنانيتهم أو ضعف شخصيتهم، ليشطبوا عليهم ويقطعوا رزقهم ويلفظوهم بطريقة مهينة، دون ود ولا إعتراف، في أبغض مشاهد الطلاق.