من البديهيات التي يتعلمها الناس جميعا في صغرهم وشبابهم أن الرياضة أخلاق وتربية وسلوك مثالي، ومن المسلّمات أن يكون الرياضي الممارس خصوصا المحترف على أعلى المستويات قدوة للناشئين ونبراسا لأبناء بيئته، ونجما ساطعا لا يغيره الزمن ولا يستبدل من شخصيته شيئا، ولا يخسر مباراته أمام المال والشهرة، حيث أصعب التحديات على الإطلاق في حياة الرياضي هو الحفاظ على التواضع والعيش ببساطة وتلذذ النعم بستر، وإستحضار دائما مكان وظروف الإنطلاقة، مع إحترام تام لمشاعر الأطفال والمحتاجين من أبناء البلدة، على الأقل إن لم تكن الرغبة للمساعدة في حال الإنهزام أمام المال بهاتريك الطمع والبخل والغرور.
 كلنا نتابع يوميا على مواقع التواصل الإجتماعي المشاهير والرياضيين ونجوم كرة القدم، ونترصد خطواتهم بدقة ونطل على حياتهم الخاصة، في موضة مقصودة يتأسس عليها الجانب الترفيهي المهيمن على «أنستغرام» و«فايس بوك»، حيث نتجول مشدوهين داخل سوق عالمي مصغر للتباهي والإفتخار بالقصور والسيارات والساعات الماسية بين اللاعبين، فنرى هذا النجم البرتغالي يرتدي ساعة يدوية تساوي قيمتها مليون أورو وخاتما بنصف سعرها، وهو يقود سيارة مصممة خصيصا لأجله يتجاوز ثمنها 300 ألف أورو، ثم يرد عليه ذلك الساحر البرازيلي بصورة يركب فيها طائرته الخاصة التي إشتراها بأكثر من 16 مليون أورو، لينزل بعدها في جزيرة يستأجرها حيث ترسو على مينائها يخوته الفاخرة، فيما يدمن نجوم آخرون إستعراض قصورهم وفنادقهم وشواطئهم التي يمتلكونها في مختلف أرجاء العالم، في تصريح علني جزئي بالممتلكات في إطار كشف العضلات المالية، والإستمتاع بالحياة اليومية، ورش الملح عن غير قصد على جروح المتابعين من الطبقات الكادحة.
 ورغم أن العصر الحاضر بات زمن المظاهر بإمتياز، فإن المال والشهرة إنهزما هزيمة نكراء أمام أخلاق وسلوكيات بعض النجوم الآخرين، والذين لم يتغير فيهم شيء بعدما قفزوا فوق لهيب الغطرسة وآثروا عدم الدخول إلى سوق التباهي، وحافظوا على نمط العيش البسيط والمتواضع والمستور، ولم يهيجوا المتتبعين والشباب الحالمين والشعوب المظلومين بعرض خيراتهم وثرواتهم وسفرياتهم المجنونة.
 النجم السنغالي العالمي ساديو ماني لقن وما يزال درسا للعالم ولمشاهير كرة القدم، ويعطي مثالا رائعا جدا على حلاوة العيش ببساطة دون بذخ ولا تبذير، وهو الذي يملك بيتا عاديا وسيارة واحدة وساعات كلاسيكية، وإلتقطت له مؤخرا عدسات الصحافة الإنجليزية صورة يحمل فيها هاتفا من النوع الإقتصادي وبشاشة مكسورة، وحينما سألته عن سبب عدم سيره مع كوكبة التباهي والإستمتاع كبقية نجوم العالم قال: «بماذا ستنفعني وستنفع الناس سيارات «الفيراري» والطائرات وساعات الألماس، أتقاضى 6 ملايين أورو سنويا من ليفربول وأقتسمها مع سكان عدة قرى بالسينغال، حيث نبني مجموعة من المستشفيات والمدارس وأكاديميات كرة القدم، ونخصص راتبا شهريا في حدود 70 أورو لكل فرد من سكان بلدتي ضواحي العاصمة دكار، ونرسل موسميا دفعات من الملابس والمواد الغذائية وكل متطلبات الحياة اليومية، لا أقول هذا لأظهر للناس بأنني ملاك ولا أنتظر منهم الشكر، وإنما أردت إقتسام ثروتي معهم وأن يكون لهم نصيب مما أربحه بعدما حققت حلمي، وصدقوني أشعر بأنني أسعد وأغنى رجل في العالم.»
 ساديو ماني ليس الوحيد من يمثل هذه الفئة الإستثنائية ويغرد عكس السرب، بل يتواجد أيضا أبطال للعالم والذين يصدرون معنى القيم والأخلاق والمبادئ في الحياة الشخصية والرياضية، كالفرنسي نغولو كانطي والإسباني أندريس إنييسطا والكرواتي لوكا مودريتش، والذين لم يغتروا ولم يتنكروا لأصولهم ومن ساعدوهم، ولم تزدهم الشهرة والمجد إلا تواضعا وبساطة وسكينة، في وقت يطير فيه البعض مثلا عندنا في المغرب ويتغير 360 درجة، ولا تسعه الكرة الأرضية بعد أول ظهور على شاشة التلفاز وأول صفقة، ليكون فعلا أحد المقصودين بالمثل الشعبي «الله ينجيك من المشتاق إلى داق».