أفضل شيء للمرء هو ركوب طائرات السفريات وحمل حقائب التحديات، والسعي في الأرض بحثا عن سعة الرزق والتطور، فمهما إختلفت المجالات وطبيعة المهن، فمن المستحب جدا التحلي بجرأة القرارات والإرتماء في حضن التغيير خلال الأوقات المناسبة، وعدم تفويت الفرص الذهبية التي قد لا تأتي مرتين.
 ما فعله المدرب وليد الركراكي بترك منصبه المريح والآمن بالفتح الرباطي وتحليقه إلى الدوحة لقيادة الدحيل القطري، خطوة ممتازة ومحمودة لهذا الرجل الذي إمتطى جواد التحدي في الظرفية المثالية، وعرف أن العرض الخليجي المغري ماليا ومهنيا هو صفقة عمره كمدرب، بعدما تعلم وتمرس بهدوء وطيلة 6 سنوات بالبطولة الوطنية والمسابقات الإفريقية والعربية، ليصنع لنفسه إسما محترما كقائد مجهتد وطموح، ومدرب بشخصية فلاذية لا يعرف بروتوكول الديبلوماسية.
 وليد الذي أعرفه جيدا بعدما سافرت معه وحاورته أكثر من مرة، لم يفاجئني إنتقاله للإشراف على أحد أقوى وأغنى الأندية في قطر وآسيا، كونه متشبع بفكر إحترافي وعقلية تعشق التحديات إلى حد العناد، ولم يكن في يوم من الأيام يفكر على المدى القصير ويعيش ساعته، بل ينظر إلى ما بعد الغد ويتطلع لتدريب أقوى الأندية محليا وعربيا، مع هدف مسطر يعمل من أجله وسيصل إليه لاحقا، وهو تدريب أسود الأطلس.
 قد ينجح الركراكي مع الدحيل وقد تتم إقالته قبل نهاية الموسم، لكن المهم بالنسبة له هو دخول هذه التجربة بلا خوف والتعريف بإسمه خارجيا وتقديم أوراق إعتماده، والسير على درب جمال بلماضي صديقه ورفيق دربه في بداياتهما الكروية ضواحي العاصمة الباريسية والذي أصبح اليوم رقم 1 بإفريقيا، بعدما إكتسب الأرباح المالية والمهنية وخرج للوجود كمدرب مشهور ووازن من قلعة الدحيل القطري.
 لا أعرف اليوم كيف هي ردود أفعال جل المدربين المغاربة الذين أدمنوا لعبة الشطرنج داخل البطولة الوطنية بقسميها الأول والثاني، والذين يزرعون الألغام لبعضهم البعض ويتربصون بهفوة الزميل لأخذ مقعده، في ملعب صغير قسّموه ووضعوا خطوط تماسه، وشرعوا في تبادل المراكز به والمقاعد في حلقات روتينية كلاسيكية، بلا أهداف ولا مشاريع ولا رغبة في التطور والإنفتاح.
 الأغلبية الساحقة من المدربين المغاربة بلا سيرة ذاتية خارج المملكة، ولا سمعة كبيرة ولا حظوظ عالية لتقلد مناصب عليا وتولي الإشراف على عمالقة الكرة العربية، فبإستثناء الحسين عموتا وبعده بادو الزاكي ورشيد الطاوسي وعينة قليلة ممن نجحوا عل مختلف درجات البطولات والمسابقات الخارجية، فالجميع غارق في وحل الدوري الإحترافي حيث تكرار نفس الخطابات والتنقلات والتصريحات، وكثرة البكاء على قانون المدربين الذي يحارب ظاهرة الترحال، دون تفكير عميق أو طموح شديد لخوض مغامرات بعيدة جدا عن التراب الوطني.
 كبار المدربين في السن يرقص على تاريخهم المحلي الأطفال المشاغبون من أنصار الأندية، وشبان الأطر في عطالة قسرية أو «موضة» التحليل التلفزي الفارغ، والسنوات تمضي والأوضاع لا تتغير والصورة لا تتحسن، والمسار التدريبي محدود ومتجمد بلا آفاق أو مشاريع ضخمة وأهداف شخصية.
 أتمنى صادقا أن يستفز إنتقال الركراكي الحديث العهد بالتدريب بعض الأطر والمدربين الذين أرى فيهم القدرة على التطور وصناعة أسماء بالخارج، كالدميعي، الجعواني، عبد الإله صابر، السكتيوي، بنعبيشة، السلامي، بنهاشم وآخرين..فخيوط الإتصالات والأبحاث عن عروض محترمة في الكواليس قصيرة وممكنة كما فعل وليد ويعرفها القاصي والداني، وحان الوقت ليغزوا المدربون المغاربة بطولات الجيران والخليج كما فُعِل ببطولتنا نحن.
 صدقوا من قالوا: سيحوا في الأرض، فإن الماء إذا ساح طاب، وإذا وقف تغير وإصفر، فموت الفتى خير له من حياته بدارِ هوانٍ بين واشٍ وحاسد.