من تعطيه قيمة أقل ولا تدعمه إلا نادرا وفي بعض المناسبات فقط، يفاجئك بالعطاء الغزير والربح الكبير، ومن تمنحه وزنا ثقيلا ودللا كامل الدسم، غالبا ما يخلف الموعد ويعجز عن إستثمار الرعاية المطلقة، لينفجر الأبطال غالبا من عتمة الظلام والضيق، ويتيه الكبار بين دروب الإخفاقات المتتالية.
 هذا ما يمكن أن نستنتجه من إنجازات الفريق الوطني لكرة القدم داخل القاعة وإنكسارات الفريق الوطني لكرة القدم الكلاسيكية، لنضعهما معا في الميزان ونقف على من ثقلت ومن خفت موازينه، بالإحصائيات والأرقام وعظمة المكتسبات.
 بون شاسع ولا مجال للمقارنة بين أسود يمارسون تحت سقف محدودية الإمكانيات وضعف الإغراءات وقلة المتابعات، وينجحون في تسيد قارة بأكملها ولسنوات متتالية بأسماء شابة ومغمورة تنحدر من أسر فقيرة بمدن صغيرة، وأسود ينشطون خارج السقف المظلم ويتلألأون في أكبر الأندية العالمية ويتمتعون بأسمى شهرة وأرقى عناية، ويدمنون الفشل والتواضع ويعجزون عن إنهاء عقدة 44 سنة، وهم الذين تُصرف من أجلهم مئات الملايير وتُعطى إليهم الأولوية والأحقية بإلتهام الكعكة شبه كاملة، في دلل وتمييز مبالغ فيه.
 القاعات المغربية الضئيلة والمتهالكة أنجبت لنا في آخر 8 سنوات أبطالا لإفريقيا مرتين في 3 دورات، وثلاث مشاركات متتالية في كأس العالم، بقيادة مدرب واحد وتركيبة بشرية لا تتجاوز 30 لاعبا، والملاعب الكبرى والمسارح العالمية تمخضت في آخر عقدين لتسفر عن منتخب ب 0 لقب في بطولة قارية تُلعب كل سنتين، ومرور عشرات المدربين ومئات اللاعبين الذين إستفاد معظمهم من العرين دون أن يربح الأخير منهم شيئا.
 أتخيل لو إستفاد أسود القاعة من نفس الدعم والإمكانيات والدلل المخصص لأسود الأطلس، ألن يكون بمقدور أبناء هشام الدكيك المنافسة على المراكز الأولى عالميا؟ والوصول مثلا إلى المربع الذهبي للمونديال ومقارعة إيران وإسبانيا التي تتفوق علينا بحصص صغيرة رغم فوارق الإمكانيات، أليس بمقدور المغرب أن يصبح رقما صعبا ومنافسا قويا على تاج بطل العالم في الدورات القادمة، لو خلقنا نوعا من التوازن في الإهتمام بين منتخب القاعة ومنتخب الهواء الطلق؟ ماذا سيخسر المسؤولون إذا إقتطعوا جزءا بسيطا من ميزانية الأسود الراسبين ومنحوها للأشبال الناجحين، ويستثمروا فيهم لمواصلة إكتساح أفريقيا وتحطيم الأرقام القياسية، والحفاظ الدائم على مقعد مونديالي مع التسلح الأكبر بالجرأة والطموح للصعود إلى البوديوم العالمي؟
 منتخب القاعة يلقن في صمت ومنذ سنوات دروسا لنا كإعلاميين وللمسؤولين وللجماهير، وينبهنا إلى ضرورة تغيير الأفكار وتخفيف الأنظار عن من أخذوا كل المواكبة والدعم والتهليل دون نتائج، ويؤكد أن العطاء لا يُقاس بقدر الأخذ، وإنما بالرغبة والإيمان بالذات، والجدية في الإشتغال والإستمرارية، وحال أسود الأطلس للكرة التقليدية وأسود القاعة، كتلك الأسرة التي دللت وأنفقت وإستثمرت بصورة كلية في الإبن البكر، ليعاقبها بالعقوق والعطالة وإدمان الفشل بالمجتمع، بينما تمرد الشقيق الأصغر المنزوي ليصبح قدوة وصاحب جاه وفخر العائلة الأول.