بعدما ظل يقترب ويفاوض لمدة 5 سنوات كاملة، إنتهى مسلسل حكيم زياش الروتيني والطويل بإعلان صفقة ولا أروع صوب تشيلسي الإنجليزي، ولو أن القيمة المالية التي لم تتجاوز 40 مليون أورو، ضعيفة ومفاجئة مقارنة بصفقات أخرى للاعبين متوسطين لكن بجنسيات غير عربية.
صحيح أن المايسترو حكم هولندا طيلة المواسم الأخيرة وكان فيها الإمبراطور الآمر والناهي، وتفنن في جلد كل الخصوم بالكم والكيف، لكن كل ذلك سيصبح في خانة الذكريات ولن يصبح مهما بعد اليوم، كون الأراضي المنخفضة بطولة يقل شأنها عشر مرات عن بطولة بلاد الإنجليز، أرض السحر والإثارة والمتعة العالمية في أسمى صورها.
أثق في زياش وقدرته على كسب التحدي بمعقل ستامفورد بريدج، في ظل الدعم والترحيب والتنويه الغزير الذي يتساقط عليه من مدرب ومسؤولي وجماهير البلوز، وأعتقد أنه متسلح بما يكفي من مهارة وذكاء وإبداع خارق ليصنع لنفسه إسما بين عمالقة البرمرليغ، لكنني أخشى أيضا أن يذوب بدنيا وينهار بسرعة لإيقاع المباريات المرتفع والمكثف، وهو المعروف بميوله للعب التقني الفردي الأكثر منه جماعي وجسماني، الشيء الذي لا يلائم مبدئيا تضاريس بريطانيا.
الأسد المغربي سيوضع في ساحة الحقيقة وقياس المناعة ومنسوب الشراسة، ضد أقوى المدافعين في العالم وأحسن الأندية وأكثرها ندية صرامة تكتيكية، فما كان يجده من مساحات وشوارع فارغة في هولندا وخطوط دفاعية ساذجة وخصوم متواضعين جدا، لن يعثر عليه بالتأكيد في المسارح الإنجليزية، حيث يصعب التحرك في 10 أمتار دون رقابة وحراسة مشددة، دون إغفال الإندفاع البدني والسرعة وعلو الجدارات، مما يجعل حكيم في إمتحان عسير ليحقق على الأقل نصف الأرقام الهلامية التي ظل يكتبها منذ سنوات بالإيرديفيزي كهداف وصانع ألعاب.
تشيلسي اليوم لم يعد كالأمس وتغييرات جمة حدثت مع فرانك لامبارد، وإمكانية لعب زياش كرسمي واردة جدا لكن مع ضرورة إثبات الذات والإنسجام دون مقدمات وترك البصمات، وإلا فالطاولة ستُقلب عليه وصبر الإنجليز القليل سينفذ على السريع، خصوصا إذا سقط تشيلسي في النتائج السلبية واستعصى عليه تطوير الجبهة الهجومية، ليكون زياش في مقصلة الجلد والإنتقاذ وتحمل المسؤولية.
أريد أن أكون متفائلا لأن أفضل لاعب مغربي وأجود المحترفين الأفارقة قادر ليصنع مجدا أطلسيا بإنجلترا، وينجح في إختراق سقف التاريخ ويتواجد في لائحة أحسن لاعبي العالم كما فعل محمد صلاح وساديو ماني وديدي دروغبا وصامويل إيطو وأساطير آخرين، لكن نسبة التشاؤم حاضرة أيضا من إمكانية تكرار سيناريو أسود هولندا الذين يموتون وينتحرون فور الخروج من الحوض البرتغالي، والأمثلة عديدة لمواهب إحترقت في أوج شرارتها مباشرة بعد التعاقد مع نادي إنجليزي كبير، كأسامة السعيدي (ليفربول) ومنير الحمداوي (طوطنهام) وزكرياء لبيض (فولهام) والذين عجزوا وإستسلموا عن التأقلم وفرض الذات، وهم من سطعوا وحكموا هولندا بقبضة من حديد.
زياش آخر سنشاهده في إنجلترا حيث الحقيقة السعيدة أو المرة، فإما سيسمو ويكتب التاريخ ويطوق عنقه وعنق المغاربة بالمجد العالمي، أو سينهار ويتيه ويرسب في إمتحان العمر، ويؤكد للأبد أن مواهب هولندا بمدة صلاحية قصيرة وداخل تراب النشأة فقط، وهو ما لا نتمناه.