وأنا أتحاور مع صديقي وزميلي الرائع صلاح الغماري الذي وصفته وأصفه بـ «نجم كورونا» الأول، وقد شاء الله جلت قدرته أن تكون هذه الجائحة فرصة لنكتشف، بل ويكتشف صلاح نفسه وذاته كما لم يتوقعها من قبل في برنامج من تلفزة الواقع، تلفزة القرب وتلفزة «اللمة» العائلية التي افتقدناها لسنوات.
قلت قادني هذا الحوار كي أتبادل مع الغماري بعيدا عن الرسميات حديثا ذو شجون هم جوانب مهنية، ومعها خلصنا لتبرئة المشاهد والمتلقي والمتتبع من تهمة النفور من قنواته وبرامجها، والدليل هو الأرقام غير المسبوقة التي تم رصدها لنسبة متابعة «أسئلة كورونا» والتي جاءت لتعزز اليقين «أعطيني راس زوين نعطيك حسانة زوينة»، أي أعطيني برنامجا هادفا أضمن لك مشاهدة قياسية.
فالذين يتابعون هذا البرنامج فئة كبيرة منهم لا تستهويها الأرقام ولا بيانات المنحنى ولا بطاقة راميد أو غيرها، بقدر ما يترقبون إطلالة الغماري بلكنته المكناسية الرائعة ودارجته الفصيحة التي يغرفها من موروثنا الشعبي الأصيل، وليس دارجة مقررات «البغرير» والشعبوية الساقطة والفجة.
وهنا تحدثت مع صديقي الغماري عن قيمة هذه الدارجة وكتاب الدارجة ومبدعي الدارجة، ممن كانوا سباقين لهاد «الستيل» الراقي في الكتابات الزجلية وحتى الأدبية لغاية أعمدة الصحف، وأقصد بطبيعة الحال الأستاذ عبد الرفيع الجواهري ومحمد شكري وزميلنا مصطفى بدري.
الغماري بهذا التفوق الصريح والتسلل الإنسيابي لقلوب المشاهد المغربي، أكد حقيقة واحدة وهي أنه من تصدى ذات يوم لمبدعي الدارجة في البرامج الحوارية كانت له مقاصد أخرى وغايات أبعد ما تكون عن جوانب المهنية، بل تحكمت فيها خلفيات مجهولة وأقصد زميلنا مصطفى بدري، والذي للأمانة وإن كنت من المنتصرين للكتابة الأدبية الرصينة ولغة المحسنات البديعية، إلا أنني وجدتني وأنا التابع لمنهجية خط تحريري خاص للجريدة، متعلقا بشكل كتاباته الساخرة واللاذعة التي كان وما يزال يغرف فيها من محبرة الدارجة النقية  لو أنه فيها أحيانا لمز وهمز ماكران.
وحين اختار بدري أن يحمل زاده و«لوك» الدارجة الجديد لبرامج رياضية حوارية لامست نجاحا محمودا، بضيفه الخامس أو السادس أو حتى أثيريا، وأحيانا بقراءة كبسولات أعمدته على شكل «خفيف ظريف» تلفزيونيا، شاء البعض أن يصادروا هذه الإطلالات التي خلفت فراغا قاتلا ومهولا في رزنامة البرامج الحوارية الرياضية بالمغرب.
اليوم هناك من عاد لينتصر للدراجة وسعى لتمريرها في المقررات الدراسية ولو مع بشاعة قاموسها، وهي مختلفة كليا بل متدنية عن دارجة الغماري وقبله دارجة مصطفي بدري ولا تقبل قياسا مع دارجة الجواهري بطبيعة الحال، لذلك وجدت ومن باب التذكير وأنا أدردش مع الغماري على أنه في زمن الإلكتروني وفي زمن السرعة، أيقنت لا أنا ولا  هو أن المتلقي والمتتبع أصبح يقبل على «ما خف منطوقه وثقل مضمونه».
الغماري سنوات وهو يطل على الجمهور بلغته العربية المشكولة بالتنوين في نشرة الظهيرة، يفتح شهيتهم بعبارتهم الشهيرة «نهاية النشرة إلى اللقاء» لم يتحصل على شهرة، تحصل عليها في شهر واحد في زمن "كورونا" والحجر الصحي بسبب  لكنته ودارجته وانسيابية تسللها للمتلقي والجمهور.
كان لزاما أن أعود لهذا الإسقاط من باب رد الإعتبار للرعيل الذي كان سباقا للإنتصار للدارجة الراقية، ومن بينهم زميلينا السي مصطفى بدري صاحب لازمات «الشناقة»... و«اللي تهرس ها الكرارس»... و«البلاطاير» وغيرها، و ليس الدارجة «البغريرية العيوشية»، لذلك قلت من الغماري لبدري، «كورونا» خدمت صلاح و«كورونات» صادرت مصطفى.