وكأن العالم سيكتشف للمرة الأولى لعبة اسمها كرة القدم٫كان هذا واقع كل من تعلقت قلوبهم بأفيون الشعوب وهم يترقبون إطلالة ديربي الرور الذي مسخته كورونا، بعد أن قصت أهم جناح لشهرة هذا الديربي بين دورتمود وشالك وهو جمهور سيغنال إيدونا بارك وأرينا معقل شالك، لتفرض على الجميع متابعة مباراة صامتة وكأنها قداس حزن في مشهد لم تألفه البشرية منذ ابتكر الأنجليز هذه اللعبة٫ إلا في مواعيد محمولة على قوة الإكراه «الويكلو». 
ورغم اجتهاد المعلق الدراجي و معلق القناة الفرنسية وحتى الألمانية في إضفاء نكهة الحماس برفع  أصواتهمفي تعقب هجمات هالاند وصعود حكيمي واختراقات هازارد٫ إلا أن بهارات الفرجة الحقيقية المختفية في المدرجات كانت تصادر هذا الإجتهاد فعلا. 
تابعت بعد المباراة تغريدات نجوم وتدوينات مدربين وحاولت أن أنفذ لعمقها، لاستجلاء ردات فعلهم ومشاعرهم عقب هذا المشهد الذي لم نتعود عليه إلا فيما نذر وليس في هكذا قمم. 
ولعل أقوى تصريح هو الذي يهم البرغوت ميسي الذي قال «لا يمكن أن نخفي حجم القلق  والخوف الذي يسكننا٫ نستشعر شيئا غريبا لا يمكن شرحه. صحيح نتطلع للعودة للعب من جديد لكنني متخوف من هذه العودة». 
وحين يطلق مبدع من طينة ميسي صرخة القلق هته، فهذا جرس إنذار يفرض أكثر من وقفة...لأنها صرخة صانع من صناع الفرجة٫ تعكس إعاقة ذهنية كبيرة تولدت بفعل تداعبات هذا الفيروس التاجي، تفرض ترويضا نفسيا يفوق في مؤداه حجم ما يحتاجه اللاعبون من تحضيرات بدنية. 
فلقد عكس ميسي كل شيء و لخصه٫ وهو أن هذه الفترة تحتاج فعلا مصاحبة ذهنية ومرافق نفسية للاعبين٫ تحررهم من كل هواجس الرعب الجاثمة على أنفاسهم، لأن ميسي سيعود ليقول» كانت لحظات استثنائية تلك التي عشناها مؤخرا، بقينا لأطول فترةمع أبنائنا وكم أنا متعلق بأن أشاهدهم يكبرون أمامي في أمان بعد تجاوز هذا الوضع». 
ميسي وبعده فابريغاس ثم هازار، أظهروا أنهم بشر مثلنا لديهم مشاعر مرهفة، بعدما اعتقد البعض من فرط الفتنة السابقة  أنهم دناصير أو مخلوقات فضائية من كوكب آخر.
فابريغاس لخص الوضع من زاويته بقوله «كانت مباراة باردة و يقينا لم أشعر للحظة أنها ديربي بل بدت لي حصة تدريبية. واليوم نتأكد أن كرة القدم فعلا هي الجمهور». 
البوندسليغا وهي واحدة من البطولات الخمس الكبرى في أوروبا اختارت أن تكون حقل تجارب العودة٫ ضحت بمرجعيتها وقيمتها التي استمدتها عبر التاريخ من لاعب لا تتوفر عليه باقي البطولات وهو «الجمهور».
فالتاريخ يشهد على أن أول بطولة أوروبية من حيث الحضور الجماهيري هي البوندسليغا، وها هي اليوم تختار ذرر ملاعبها لتحتضن قمم بطولتها وقد تحولت لقفار يعكس صدى أصوات اللاعبين وصيحات المدربين.
ولأنه نحن معنيون وبداية مناليوم بترقب مستقبل بطولتنا وما إن كانت عجلتها ستدور فعلا للدوران من جديد٫ فإني أعود للتذكير بموقفي الخاص من هذه العودة المجنونة وقد أشرت إليه في إطلالة سابقة «هل بقي للبطولات طعم؟».
ففي اعتقادي الشخصي المتواضع، أن العودة ليست بروتوكول ودفتر تحملات وملاعب وفنادق إيواء وتحاليل فحص الفيروس أو تعقيم الكرات والملابس...
كرة القدم شيء أكبر من كل هذا، كرة القدم سلوك فطري وغريزي يتأسس على الشعور بالأريحية وهي أكبر من الراحة٫ و على القدرة على الخلق و الإبداع بعيدا عن كل مسببات التوتر و كل ما من شأنه أن يكدر الأجواء و ينفرها٫ و هي كل  حال ليست متوفرة حاليا وإن توفرت فلا وجود لضمانات استمرارها. 
هناك دفتر تحملات أكبر من الذي اشتغلت على ديباجته لجنة الحجوي، دفتر تحملات تخليق الممارسة والإستفادة من الدرس الحالي، بأن توقفت بطولتنا وهي عرجاء تكافؤ الفرص فيها مجرد عنوان وقد عكسته عديد المؤجلات المتفاوتة للفرق بل أن فريقا واحدا اسمه سريع وادي زم في رصيده 21 مباراة والجامعة تصر على أنها وقفت البطولة عند ناصية الدورة 20 فأي لوغاريتم قادر عل فك هذه الشفرة؟
د فتر التحملات الأقوى هو أن نستفيد من درس تأخر  اللجانفي إصدار أحكامها في نوازل مثل مباراة الدفاع الجديدي والرجاء حتى تحول الأمر  لإعاقة وعقدة في المنشار أعاق تطبيق التجربة الفرنسية؟
دفتر التحملات الحقيقي هو أن يتم تفسير سر الإصرار على استكمال10 دورات في عز الصيف والهجير، هل كل هذا هو انتصار لقيمة منتوج لا يقدم للفريق الوطني لاعبا واحدا صالحا بشهادة البوسني؟