إعتدنا جميعا على حراك الملاعب الساخنة بالتدفق الجماهيري، لكننا لم نعتد قراءة المباراة من دون دندنة ولا صخب ولا هرج ولا صيحات ولا أهازيج ولا تيفوات ولا غير ما يخفيه شعب المدرجات في الملاعب من إبداعات أسبوعية ونصف أسبوعية في عوالم المسابقات القارية والعالمية، والنتيجة أن الوباء أخاف الملاعب وقتل هذه الروح المتدفقة وكسر صناديق الأندية ووضعها أمام واقع الإستنجاد.
إعتدنا جزئيا على خلاء الملاعب ليس لقوة قاهرة ولكن لعقوبة زجرية تفرضها لجنة العقوبات، ومعها كره الجمهور غيابه لمجرد فئة أخلت باحترام المبادئ، ولكن عندما يتعلق الأمر بإخلاء رسمي للملاعب من الجهات العليا، فلأن الوباء صدم شهادة الإغراء المنهجي للفرجة، وكرس التدمير الإقتصادي للأندية وقدم خدمة مريحة لأمن ملاعب الدنيا. 
ألفنا تواجد الآلاف من الحناجر المشجعة كل بشعاره السخي، وحاليا نحن أمام أقلية لا تفوق 300 شخصا من بينهم اللاعبون والجهاز التقني ومسؤولو الفريقين وأفراد الأمن والبث التلفزيوني إلتزاما بقوانين الوقاية من الوباء، لأنه هو من أفرغ الملاعب وليس الدولة حتى ولو كان لها مسؤولية اتخاذ القرار، لأن كورونا هي من وضعت العالم كله امام انسداد كلي لكل المراتع الإقتصادية بما فيها الرياضة أساسا. 
ألفنا إلتقاط مكبرات الصوت الموجودة على جنبات الملعب لكل صرخة حرة من الحناجر القريبة من الشباك، ولكل فرحة رجال الرقعة بالأهداف، وللقطات مقصودة على جمال الروح وحضارة المناصرة، وعلى مقاصد جمال الإستجابة الفورية لنساء وفتيات ورجال وشباب وطفولة المدرجات مع الكاميرات، ولكننا لم نألف مكبرات الصوت ترسل دقات الكرة في الأرجل، ولغات اللاعبين وتواصلهم صراخا كما هو معتاد في ملاعب الاحياء لصنع أجواء غريبة ومسكونة في منازل مهجورة. 
بألمانيا، وعلى مدار ثلاث دورات في أقل من أسبوعين، تغلغلنا جميعا أمام هذه العوائد الغريبة لملاعب مهجورة، وبدت المباريات وكأنها بروفة تدريبية محمولة على الجدية والشراسة، ولكنها وقعت على شهادة عرس بلا ضيوف ولا هدايا، وقدمت منتوجا غير محبب للجماهير حتى ولو تابعتها من الحجر الصحي من دون أن تقنعها في أي شيء، لكون العرض بدون طلب يظل في عداد الخسارة المادية والفرجة المطلقة، والحقيقة أن أصحاب القرار بالبوندسليغا لم يفكروا أساسا بالمنتوج والعرض والربح والخسارة، بل في انهاء الموسم بحلول 30 يونيو لدواعي تتعلق بعقود اللاعبين، وهي ضربة الأذكياء والعقلاء في رسم توجهات الموسم المقبل بلا مشاكل تعاقدية قد تؤزم وضعية صناديق الأندية في ظل وباء استشرى واستنزف الكثير من الميزانيات غير المنتظرة.
حتى شرطة المانيا الحاضرة في ملاعب البوندسليغا من اجل مراقبة الخلاء المنهجي ومصادرة الخارج عن القانون ومنع الجماهير من التجمع خارج الملاعب للإحتفال، استبشرت بالإرتياح النفسي واعتبرت هذا الشكل من العمل بلا ضوضاء ولا متابعة ولا مراقبة ولا هم يحزنون بالغريب معززة بالقول «أفضل مباراة بدون مشجعين هي تحدٍ جديد بالنسبة لنا، لكنها معقدة أيضًا، مثل أي مباراة عادية»، وحثت الجماهير على البقاء في المنزل قائلة: «إجعل الأمر سهلاً بالنسبة لنا»، أليس في الأمر شعورا بالإرتياح المعنوي والنفسي لشرطة ملاعب المانيا؟
أعرف أن الجامعة الألمانية ربحت الرهان الذكي لمقاومة الوباء بكل التدابير الإحترازية، وشق طريق الوباء بالحرص الشديد على البروتكول الصحي وحماية مهني اللعبة، ولكنه في عمق الأزمة سيعيش أقوى وأخطر أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، وسيكون من تبعاتها ضرورة اعتماد اقتطاعات مالية كبيرة لتفادي السيناريو الأسوأ، في ظل احتمال تكبد الاتحاد هذا العام خسائر مالية تصل إلى 77 مليون أورو كما جاء على لسان أمين المال ستيفان أوزنابروغ، فضلا عن إجراءات تتعلق بخفض ساعات العمل لعدد من موظفيه وتجميد زيادات الرواتب المقررة، وخفض أجور مديريه، ولذلك فإن لا الجامعة التي لن تيسلم من تبعات الجائحة ولا البوندسليغا التي صانت الأندية ببرمجة مطلقة لربح مشكلة التعاقدات، فإن الخسارة مطروحة والأزمة مطروحة، ولكن بأقل الأضرار لأن الأندية حتى في غياب موارد الجمهور المتعارف عليه كمنخرط منذ بداية الموسم، لها مواردها الخاصة بعودة البطولة إلى الواجهة والبث التلفزيوني والمعلنين وغير ذلك من المداخيل وإن كان قلتها أفضل من عدمها، ولكن على الأقل ربحت هذه القلة، وربحت قيمة التعاقدات التي ستنتهي في وقتها مقارنة مع المشاكل التي ستضع البطولات الأوروبية أمام واقع أكبر مشكلات في صيف الإنتقالات.