عن أي إنسانية نتحدث ؟ وعن أي حضارة نتحدث؟ هل الإنسان هو الذي يصنع الحضارة ؟ أم أن الحضارة هي التي تصنع الإنسان؟
إن كان القصد من أن يقتل جورج فلويد بلا رحمة  على يد عناصر من الشرطة الأمريكية وهو يتوسل في آخر لحظات خروج الروح، هو فصل عنصري لا محيد عنه، وفصل حضارة تدمر الإنسان والإنسانية، وإعدام اللون والعرق والتسامح والتعايش الذي بنته الحضارة الإنسانية، وليس عاديا أن يقتل الرجل الأمريكي من أصل إفريقي بالبرودة المرئية على واقع تكبيل بالقوة وركبة مضغوطة على العمود الفقري من الرأس في أبشع صور الإذلال والإحتقار والإهانة الإنسانية كما لو أننا نشاهد فصل إعدام حقيقي لمحكوم عليه من قرار المحكمة، بينما الواقع هو شيء آخر طبق بأقصى سرعة من دون محاكمة ولا مساءلة ولا تقرير لما فعله القتيل ولا الدوافع المرتبطة بالحادث ولا هم يحزنون.
هذا المشهد الدرامي الذي أصاب العالم كله بالذهول والتذمر وبأبشع  صور جرائم العصر، لم يمر هادئا بل شجبته كل الحضارات الإنسانية من منطلق العدوانية المفرطة في القتل والطريقة المقززة لخمد الأنفاس وهي تتوسل بآخر اللحظات، فهل هكذا نتعامل مع الإنسانية التي بنت الحضارات وتبنيها إلى اليوم لتصل إلى أقوى كوكب كوني ؟ وهل هذا الإنسان كلون وعرق وكمورد وعنصر بشري يبني للتنمية وصناعة الحضارة بكل شيء حتى في عرقها الثقافي والعلمي والإقتصادي والديني، هو من يذل بهذه الوحشية اللإنسانية ؟ أعتقد أن الجواب خارج كل التوقعات في زمن كورونا التي تقتل الحضارات بالوباء الصامت وليس بكورونا العدوانية على شكل فرعون جبار. 
ما أعرفه أن الانسان صنع الحضارة بعلمه وثقافته ودينه، وجعلها تتعايش بالتسامح والتألف والتضامن واحترام الثقافات والأديان واللغات من دون تصلب ولا استهجان لكافة حضارات الشعوب، وما أكثر الشعوب التي بنت حضارتها بخليط انسانية متعددة الإجناس سواء كان مشروعا اقتصاديا أو عمرانيا أو غيرهما من أسس التطور الحضاري. وما أعرفه أن الإنسان الأسود والأبيض والأحمر والأصفر هو إنسان واحد وخلق واحد ولا فرق بين عربي أو عجمي إلا بالتقوى. وكل هذه الألوان صنعت لبلدانها ثقافة وحضارة واسست مع شعوب أخرى حوارا تشاركيا مبنيا على التطور لا على صراع الحضارات، ولذلك علينا أن نحترم الإختلاف، سواء كان جنسية أو دين أو لون. 
وراقني جدا، ما تغلغل في الروح الرياضية والتضامنية لمجموعة من تجوم الكرة الالمانية حين رفع أشرف حكيمي وجادون سانشو قمصانهما خلال احتفالهما بأهدافهما أمام بادربورن وكتب عليه عبارة نطالب بالقصاص من الشرطي قاتل المواطن الأميركي جورج فلويد، كما راقتني الخرجات المسترسلة لأندية إنجلترا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها من دول العالم كل بطريقته الخاصة في التعبير الدرامي لمأساة أبشع سيناريو عنصري. ومع ذلك لم يصدر أي قرار بمعاقبة اللاعبين بألمانيا إلا من جانب الإنذار فقط  
بالرغم من أنه طبقًا لقوانين المجلس الدولي لكرة القدم، لا يجب أن تحمل أدوات اللعبة أي عبارات أو صور سياسية أو دينية أو شخصية .
بل وراقني مطلقا ما تفاعل به السويسري جاني إنفانتينو رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم عندما طالب بالتصفيق وليس العقوبة بحق لاعبي البطولة الألمانية الذين عبروا تلقائيا عن تضامنهم مع المواطن الأميركي جورج فلويد الذي قضى على يد شرطة بلاده، داعيا إلى أن هناك أموراً تستدعي التحية، ويجب أن تستحق الإحتجاجات الأخيرة للاعبين خلال مباريات البوندسليغا التصفيق وليس العقوبة، مثلما يجب علينا جميعاً أن نقول لا لأي شكل من أشكال العنصرية والتمييز، وحان الوقت لنقول لا للعنف بجميع أشكاله. وأعتقد أن رد رئيس الإتحاد، كان أبلغ وأقوى رسالة موجهة إلى كل الإتحادات من أجل مراعاة قيمة التذمر النفسي  للاعبين، وما معنى أن تناهض حتى العنصرية في ملاعب الدنيا وما أكثرها لدى اللاعبين السود الأكثر عرضة للإستهجان وهم من يصنعون أمجاد الدول في كل المواقع الاستراتيجية، حتى الرياضة منها في ملاعب المعمور، إن لم نقل يؤسسون النواة الرئيسة للأندية والمنتخبات مثل فرنسا كنموذج .