كلما فرغ الفريق الوطني من مباراة له، إلا واشتعل الرأس بالأسئلة المستنكرة لما تشاهده العين، والمستفهمة عن مصير المدرب وحيد خليلودزيتش، أو المستغربة لهذا الصمت المطبق الذي تلتزمه الجهة المالكة للقرار..
في كل مرة نظن فيها، أن وحيد سيخلصنا من هلوساته وسيصوم عن تعدياته وسيصحح اختلالاته، إلا ويستفحل الأمر وتتشوش الصورة أكثر ونزداد يقينا أن الرجل أكمل دورته الزمنية، وأن الإبقاء عليه لغاية كأس العالم، صناعة لليأس والشقاء الجماعي..
كشفت مباراة ليبيريا، وقد وضعتنا أمام منتخب مستضعف فنيا وتكتيكيا، برغم أنني لا أحبذ مثل هذه التفييئات، عن أن خليلودزيتش فقد بالفعل البوصلة، ودخل في متوالية رهيبة من التنازلات، فما أصبح ذاك الرجل الذي يملك رأسا إسمنتية مصنوعة من «الغرانيت»، رأس لا هي تتنازل ولا هي تتهاون ولا هي تهادن، وعندما يبلغ المدرب هذه الدرجة من الإنحناء الذي يكسر ثوابته وحتى مبادئه، فلا خير يرجى منه.
تذكرون، كم كان وحيد عنيدا في الدفاع عن خياراته وعن المحصنين عنده من اللاعبين، وكم كان صلفا في استبعاد من غضب عليهم وما غضب عنهم الوطن، إلا أنه مع شعوره بالوهن والضعف بل والهوان، سيشرع في تصريف كثير من عناده وصلفه بالتقسيط المريح.
سيعيد وحيد للفريق الوطني نصير مزراوي وأمين حارث، وكان مستعدا لإعادة حكيم زياش لولا أن الأخير قطع الطريق وشعرة معاوية، وجهر بالرفض للعب تحت جناح وحيد، ليس هذا فقط بل إن وحيد الذي وضع تحسبا للمباريات الثلاث أمام الولايات المتحدة الأمريكية، جنوب إفريقيا وليبيريا، لائحة من 27 لاعبا، سينادى قبل مواجهة ليبيريا بالدار البيضاء على كل من يحيى جبران وأشرف داري، وسيرسم جبران ثم سيدفع بداري بعد أن استبد الألم بالعميد غانم سايس..
ووسط هذا التخبط الغريب لمدرب يفترض أن تكون له ترسانته البشرية التي سيدخل بها المونديال، ولا تتغير إلا بنسبة مائوية قليلة جدا، جاءتنا المباريات الثلاث بالمحصلات الرقمية والفنية التي تبرز بوضوح أن وحيد أدخلنا في دوامة لا نعرف منها ولا لها مخرجا.
ما ظهر في المباريات الثلاث لفكره التكتيكي أي خيط ناظم، وما وضحت في كل النزالات الأخيرة أن هناك رؤية يجري تنزيلها، وما أعطتنا المباريات 29 التي خاضها الفريق الوطني على عهد وحيد، الإنطباع على أن الرجل حضر وبيده مشروع لعب سنراه يولد بشكل طبيعي لا قيصري مباراة بعد الأخرى، بل إننا لا نكاد نعثر في هذا الكم من النزالات الرسمية والودية عن أي مباراة مرجعية..
مدرب ينتقل في أسلوب التدبير من النقيض إلى النقيض، من عناد ومكابرة إلى خنوع واستسلام، فكر تكتيكي مشوش ومنكسر ولا يقوم على وحدة موضوعية ولا ينتمي لجنس الكرة الحديثة، وتخبط تدل عليه مباريات الفريق الوطني الأخيرة، مهما تحججنا ومهما اختلقنا من أعذار، لا أتصور أنه يصلح لكي يدافع عن حلمنا المونديالي..
مثل البعض، كنت سأكون محاميا شرسا لوحيد عطفا على نتائجه ومحصلته الإيجابية (؟)، لو أن الكرة أدارت له ظهرها، وما عرفت أنها تظهر ظهرها للمجتهدين، ولو أن الحظ خذله وهو يعمل ويجتهد ويبدع، لكن ما صدر من أحكام لا تقبل بالنقض في آخر المباريات بهزالة الأداء وبضعف المقاربات وبضياع الشخصية، يقول أن وحيد ميؤوس منه!!