كيف نحتفي بتتويج أسود القاعة أبطالا للعرب لثاني مرة تواليا، بعد أن تسيدوا نسخة الدمام من أول إلى آخر سطر؟
نرفع الهامات والقبعات وننشد نشيد النصر ونباهي بهؤلاء الشباب، وقد باتوا للوطن علامة، بل وأجمل علامة، لنا كل الحق في ذلك، فمن يصعد الجبال غير متهيب ليرتاد القمم، محق في أن يفرح وينقل الريح إلى السحاب صدى فرحه، دليل كفاح ونضال وتعب ونصب.
لكن ليس من حقنا أن نتحول للسنابل الفارغات رؤوسها وقد شمخت مع هبات الرياح، ليس من حقنا لا الخيلاء ولا المفاخرة ولا حتى النوم في العسل، لأنه إن كانت الريادة ستدوم لنا، ما كنا أصلا قد أخذناها من غيرنا.
صحيح أن هذا الذي أنجزه المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة رقميا وتقنيا، ليس سوى تعبير بسيط عن ممكناته الجماعية وقد غدا للعبة مرجعا عالميا، بل وأصبح رقما صعبا في مؤشرات التفوق الدولي عطفا على مرتبته العاشرة، صحيح أنه من غير الجائز تماما أن يأخذنا جنون العظمة فنلبس الإنجاز لباسا فضفاضا، إلا أننا يجب أن نضع هذا الذي تحقق لأسود القاعة في كأس العرب بالمملكة العربية السعودية، بعد توجيه الثناء للإتحاد العربي لكرة القدم على إحداث هذه المنصة التنافسية لتقوية اللحمة العربية، وبعد إجزال الشكر للإتحاد السعودي لكرة القدم على احتضانه لعدد من الأحداث الرياضية الهادفة لتجميع شباب العرب، يجب أن نضعه في سياقه الطبيعي، في سيرورة العمل الذي أنجز لسنوات، وكان مرجعا رائعا في حكامة تنزيل وتدبير الرؤية، لكي نؤكد لأنفسنا قبل غيرنا، أن هذا الذي حدث تحديدا في كرة القدم داخل القاعة لم يكن عرضيا ولا نتاج صدفة.
الذي يعود لشرائط المباريات التي خاضها أسود القاعة بالدمام، سيقف أولا على قوة شخصية منتخبنا الوطني الذي إن تواضع لا يعرف الغرور له طريقا، ويقف ثانيا على حقيقة هذا الشموخ الذي أصبح مقترنا بهذا المنتخب وهو يعامل المباريات والمنافسين بدرجات عالية من الإحترافية، ويقف ثالثا على مرجعية الأداء التكتيكي الذي يميز منظومة اللعب، حيث تتعانق التكتيكيات لتشكل شجرة الإبداع، ويقف رابعا على درجة الإنضباط التي بلغها اللاعبون، على روح العائلة التي تسيطر عليهم وهو يرون في هشام الدكيك الأب قبل المدرب، ويقف خامسا على أن هذا المنتخب شوكة لا تنكسر وجبل لا يلين ومنظومة نجاح هي ما يجب أن نتأسى بها.
يعطينا هذا النجاح العربي لمنتخب القاعة، وقد أعقب نجاحات عديدة تحققت إن على المستوى الإفريقي وإن على المستوى العالمي، الدليل على ما كنت أحرص عليه في نقدي للرياضة الوطنية وتحديدا لكرة القدم، من أن التوفيق من بعد الله، يأتي من عمل مهيكل ومعقلن ومدروس، رؤية متطابقة يتم تنزيلها بحكامة، وترصد لها كل عوامل النجاح، وتشهدنا الوقائع على أن المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة ما بلغ مراتب الشرف، وما غدا عاشر العالم، إلا لأن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، أمنت به مشروعا وحلما وأملا، فزرعت البدرات لتجني بعد ذلك الثمار، أخرجت كرة القدم داخل القاعة من كهوف مظلمة ومن مستنقعات التسول والإستجداء، فمنحتها الكرامة وإكسير الحياة، فكان من نتائج ذلك، أن منتخبنا الوطني أبصر طريق المجد فمشى فيه متفائلا وجسورا ومحميا من كل عوارض الطريق، وأقبحها بل وأكثرها شراسة، الفشل، ليصل إلى القمة التي يقف عليها اليوم بعرقه ونبوغه وسعة أحلام الشباب، ليتأكد أيضا ما كنت أقوله دائما، أن تفقير الرياضة وتعتيم طريقها بقلة اليد وضحالة الإمكانيات، إنما يهدر الطاقات ويقوض الإبداع ويقتل الأحلام في مهدها.
نحتفل بتتويج منتخبنا للفوت صال بهذا الإنجاز الجديد، ذاك حقنا، نفخر لكل الذي يتحقق لكرة القدم الوطنية من نجاحات خلال سنة 2022، لا ضير ولا حرج، ولكن ما يجب أن نشتغل عليه بلا هوادة، هو استدامة النجاح، هو البحث عن مراتع لأحلام أكبر، ولن يكون حلمنا القادم مع أسود القاعة، سوى الفوز بكأس العالم.
نعم الفوز بكأس العالم، فما المانع؟