ألعاب القوى، ومن غيرها تستطيع أن تنقذ ماء وجه الرياضة الوطنية في أي محفل دولي أو أولمبي أو جغرافي أو عرقي، تأتي إليه مبارزة من أجل إعلاء الشأن والقيمة؟ بعد أن أهدت الرياضة المغربية ميداليتها الوحيدة في دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة بطوكيو، وكانت هذه المرة بلون الذهب، بعد أن نجح البطل العالمي الرائع والوديع سفيان البقالي، أن يكسر شوكة الإثيوبيين والكينيين ويخطف منهم ذهبية 3000 متر موانع التي استحوذوا عليها لسنوات طوال، فما خرجت عن طوعهم ولا أعناقهم، عادت ألعاب القوى لتهدينا ذهبيتين من أصل ثلاث ذهبيات غنمتها الرياضة الوطنية خلال دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي اختتمت بوهران الجزائرية، ولتؤكد أنها الرياضة الأجدر بحمل آمال المغاربة في تتويجات عالمية وأولمبية وقارية وحتى متوسطية وعربية، ألعاب القوى وليس سواها، جماعية كانت أم فردية. وإذا ما نحن عدنا لجرد ما أنجزته الرياضة الوطنية منذ فجر الإستقلال وحتى اليوم، في كل الدورات الرياضية، على اختلاف مقاساتها ودرجات كونيتها، وما حققته من ميداليات، لوجدنا أن أبطال ألعاب القوى يتجاوزن في عدد مرات صعودهم للبوديوم، بل وفي عدد مرات عزف النشيد الوطني على إيقاع انتصاراتهم، ما عداهم من أبطال في كل الرياضات مجتمعة، لذلك كنت ومعي محللون ونقاد وزملاء إعلاميون، ملحا في القول أن مستقبل الرياضة المغربية يقوم على بديهيتين، أولاهما إيلاء كرة القدم ما تستحقه لجماهيريتها ولتغلغلها في وجدان المغاربة من أهمية لتكون صاعدة لسعادة الجماهير، وثانيهما أن تتبوأ ألعاب القوى في منظومات الإشتغال وكل استراتيجيات الرياضة الوطنية الصدارة في الدعم بكل أشكاله، لأنها هي من يجلب للمغرب الميداليات والألقاب حتى لو حدث بين وقت وآخر نوع من الإحتباس في إنتاج أبطال وعدائين من المستوى العالي، ومع وجود هاتين البديهتين في الرؤية المستقبلية التي تنطلق من حينها، فإن رفع كل الأنواع الرياضية لمراتب التنافسية قاريا فعالميا، يظل رهانا وطنيا لا بد وأن تحترم فيه الأولويات. ويحضرنا جميعا ما حققته ألعاب القوى مرحليا من خلال عدائيها وقد توشحوا بوشاح العالمية، بل منهم من هم مودعون في ذاكرة أساطير ألعاب القوى العالمية، فقد نجحت أم الرياضات ذات وقت في الوصول للمرتبة السادسة عالميا، ولعمري هي مكانة دالة على النبوغ، ولا أتصور أن هناك قطاعا يخضع لمؤشرات التراتبية عالميا، نجح في الوصول لما وصلت إليه ألعاب القوى. لذلك كلما تحسسنا بوجع كبير خروج المغرب من تظاهرة رياضية كونية خالي الوفاض، بسبب أن ألعاب القوى تعثرت وشقيت في البحث عن خلائف لأسلاف من ذهب، قمنا بما يمليه علينا واجبنا الإعلامي، ليس بتقديح ألعاب القوى المغربية وتأنيبها على ذنب لا تتحمل لوحدها وزره، ولكن بالتأكيد على أن اليد الواحدة لا تصفق وعلى أن ألعاب القوى لا تصنع لوحدها أن تصنع الربيع في كل الأزمنة، وأن من حقها أن تمر كما هو حال كل شيء في هذه الحياة بمرحلة فراغ، وعلى أن يقيننا الكامل من أن أم الرياضات هي وجهنا المخملي الجميل الذي يطل على العالم من بوابة بطولات العالم والألعاب الأولمبية، ويكون لزاما على الدولة أن تعمل من جهتها على أن تظل ألعاب القوى متحفزة بل ومتلهفة لمزيد من الإنجازات، بتمكينها من كل الظروف المساعدة لوجيستيا وماديا لكي تساير عالما تنافسيا يتطور باستمرار بل وبإيقاعات نارية. إن ما تشتغل عليه جامعة ألعاب القوى، وأسهب في شرحه كل من محمد النوري العضو الجامعي والناطق الرسمي باسم الجامعة والإطار التقني والخبير أحمد الطناني، خلال ندوة رائعة أقيمت قبل أسابيع بحاضرة ازيلال بموازاة مع نصف مارطونها الدولي، واختصت بالحديث عن ألعاب القوى في شمولية منظورها، إستراتيجية وطنية، تعمل أفقيا وعموديا على توسيع جغرافية الكشف عن المواهب بكل مدن وبوادي وحواضر المغرب، وتحيين كل منظومات الإشتغال في كل مناحي إعداد أبطال المستوى العالي، لصناعة التميز واستدامة الحضور الوازن لألعاب القوى المغربية في كل مفاصل التباري الأولمبي والعالمي. إنه بالفعل زمن جديد لألعاب القوى المغربية، تغيرت فيه الرؤية والعملة والأهداف، الإنطلاق من قاعدة التحضير لأبطال من المستوى العالي، والغاية بكل تأكيد هي الفوز بميداليات نظيفة كما قال رئيس الجامعة السيد عبد السلام أحيزون من اليوم الأول لتسلمه مشعل إدارة رياضة منتجة للثروة وصانعة للسعادة. مؤكد أن زرع البذرات النقية في تربة نظيفة لن يعطي في النهاية إلا الحصاد الجيد والتميز المستدام..